وفي صباح أحد الأيام وبينما كان يتجوّل كعادته في الشارع المذكور إذ أقبل متّجهاً إليه من الرصيف المقابل الأستاذ الجواهري وعانقه عناقاً أخويّاً حارّاً ـ بعد فراق طويل ـ فبادره الشيخ الوالد بقوله : أهلاً ومرحباً بـ : (أبي فرات) ووضع كفّه على رأسه متسائلاً : أرى الشيب قد علاك قبل أوانه وأنت أصغر منّي سناً ، فأجابه الجواهري : أنت تعلم بأنّ الحوادث والوقائع والمصاعب التي تعرّضنا لها أثناء الغربة عن الوطن وهي التي عجّلت بمشيبنا قبل الأوان ، وقد نظمت هذا المعنى في قصيدتي العينية ، ولا أعتقد بأنّ أحداً من الشعراء قد سبقني إليه وتلا هذا البيت :
ومستنكر شيباً قبيل أوانه |
|
أقول له هذا غبار الوقائع |
فبادره قائلاً : أحسنت يا (أبا فرات) إنّه جميل ورصين ، ولكنّ هذا المعنى قد نظمه العديد من الشعراء المتقدّمين ، ألم تطَّلع على ديوان الشريف الرضي وعبد الله بن المعتزّ ، فقال : بلى ، ولعلَّني لم أطّلع على هذا المعنى من خلال قراءتي لهما ، فبدأ الشيخ الوالد بقراءة بيت السيّد الرضي :
وما شبتُ من طول السنين وإنّما |
|
غبار حروب الدهر غطّى سواديا |
واستطرد قائلاً : وقد أخذ السيّد الشريف معناه من قول عبد الله بن المعتز :
قالت كبرت وشبت قلتُ لها |
|
هذا غبار وقائع الدهرِ |
وأضاف الشيخ الوالد قائلاً : يا (أبا فرات) والأصل في هذا المعنى وردفي بيت لشاعر سبقهما في عصره وهو أبو الطفيل عامر بن وائلة من