بل حتّى الضرر من شرب الدخان ناقش الكثير في ثبوت حرمته ، وهو مبنى مشهور الفقهاء من بداية شيوعه وانتشاره وحتّى يومنا هذا ، بناء على أنّ ضرره يَسيرٌ وغير معتد به ، وأنّه لا يرقى إلى قتل النفس أو يؤدّي إلى ذلك ، أو إلى إتلاف عضو من الأعضاء ، فحاله حال شرب الماء البارد للمزكوم ، أو أكل الحامض للمصدور ، أو السهر الطويل الذي يسبّب الصداع ، ونحو ذلك من الأطعمة والأشربة والحوادث المرتبطة بتصرّفات الإنسان الحياتية ، فإنّ السيرة جارية على ذلك ولا تعتدّ بهكذا ضرر ، ما لم يقرّرالطبيب المختص أنّ شرب الدخان يؤثّر تأثيراً سلبياً مباشراً في صحّة شخص ما أو عضو من أعضائه ، فيتجنّبه بالخصوص.
ولمّا مرّ عليك ، ولعدم ورود نصّ خاصّ في حرمة شرب الدخان ، وأنّ ضرره لا يؤدّي إلى تلف النفس أو عضو منها ، فإنّ أصالة البراءة من الحرمة ، وأصالة الإباحة في جواز شربه ، جاريتان فيه ، والظاهر من هنا رأى المصنّف كراهة شرب الدخان لا حرمته على ما يُفهم من قوله : «ونحن ندّعي قيام الدليل على كراهة ما نحن فيه ، كما أنّه يدّعي المحرّمون قيام الدليل على حرمته» (١) إذ لم نقف على تمام رأيه صريحاً في هذه الرسالة من جهة عدم تمامها ونقص أوراقها من الأخير.
على أنّي احتفظ بِرَأيي الخاصّ في الرسالة لمقام آخر ، كما عدلت عن الخوض في تفاصيل أدلّتها ، واقتصرت فقط على تعريف ذلك حتّى لا
__________________
(١) تحفة الإخوان في حكم شرب الدخان.