المكتبات العالمية في برلين وليدن واسطنبول وحيدر آباد ، وأمّا المكتبات الخاصّة فهي أكثر من أن تعدّ أو تحصى ، حتّى صدق قول القائل : «ولولا ما أودعت لنا الأوائل في كتبها ، وخلّدت من عجيب حكمتها ، ودوّنت من أنواع سيرها حتّى شاهدنا بها ما غاب عنّا ، وفتحنا بها كلّ مستغلق كان علينا ، فجمعنا إلى قليلنا كثيرهم ، وأدركنا ما لم نكن ندرك إلاّ بهم ، ولخسّ حظّنا من الحكمة ، وضعف سبيلنا إلى المعرفة».
وقد تعرّضت هذه الثروة العلمية إلى العديد من النكبات والكوارث عبر القرون أتت على الآلاف منها بين الحرق والتلف والضياع ، فهجوم المغول على بغداد حيث صنعوا جسراً من كتب مكتباتها على نهر دجلة حتّى أنّه ليقال بأنّ ماء دجلة قد اصطبغ بلون مداد الكتب ، وأمّا صلاح الدين الأيّوبي فلم يكتفي بقتل الآلاف صبراً بل حرق المكتبات وخزائن الكتب عند هجومه على الدولة الفاطمية والحمدانية وقتل علمائها ، ناهيك عن الحروب الصليبية وما ساهمت به من تلف التراث وسرقته ، وأمّا المستشرقون الأوائل فقد عبثوا بالتراث بما يحلو لهم من سطو وتحريف وتزييف ، ويكفيك اليوم إنّنا نرى الكثير من عناوين المؤلّفات والتصانيف بين أسطر كتب تراجم العلماء والأدباء وفي كثير من المعاجم إلاّ أنّنا لا نرى لها معنوناً ونفتقد أثرها على رفوف مكتباتنا ، وبالرغم من كلّ ما نال تراثنا إلاّ أنّ ما بقي منه اليوم ووصل إلينا يكشف لنا عن عظمة ذلك التراث كمّاً ونوعاً ويجدر بنا أن نقف وقفة إجلال وإكبار أمام هذا التراث وصانعيه لا كما يقول البعض في كتابه التراث والتجديد.
إنّ حركة لملمة التراث ساهم بها علماؤنا منذ قرون وتصدّى لها رجال من الرعيل الأوّل بذلوا الغالي والنفيس من أجل الوصول إلى أفضل الأساليب للحفاظ عليه ، فبذلوا جهوداً في مجال التحقيق وألّفوا في مناهجه