أمّا الكلام في المورد الأوّل فتحقيق المقال يحتاج إلى تمهيد مقدّمات :
المقدّمة الأولى : لا شكّ إنّا اذا راجعنا وتفحّصنا المسائل المتشتّتة الّتي لكلّ علم من العلوم ـ الأدبيّة أو النقليّة أو الفقهيّة أو غيرها ـ نرى ونجد أنّ في تلك المسائل مع كثرتها وتفرّقها جهتين :
جهة مشتركة بين المسائل بها تشترك وتتّحد جميع تلك المسائل. وجهة أخرى بها تمتاز كلّ مسألة من المسألة الاخرى.
أمّا الجهة المشتركة فهي سارية وثابتة في جميع مسائل الفنّ من دون نظر أصلا إلى المدوّن والمدوّن وأغراضه الداعية إلى التدوين فكأنّها هي الجهة الذّاتية لتلك المسائل من غير دخالة أصلا لأغراض المدوّن سواء كانت الأغراض أغراضا أوّليّة كي يكون متّحدا مع أغراض العلوم أو الأغراض الثّانويّة كما ستعرف عمّا قريب إن شاء الله تعالى.
مثلا عند الإمعان في مسائل علم النّحو نرى أنّ في جميع مسائلها حيثية مشتركة ذاتيّة بحيث تشترك جميع المسائل النّحويّة في تلك الحيثيّة وتجتمع تحت لوائها مع قطع النّظر عن الأغراض الدّاعية للتّدوين وهي كيفيّة أواخر الكلمة الّتي يعبّر عنها بحيثيّة الإعراب والبناء وهكذا في المسائل الفلسفيّة حيث نجد أنّ جميع مسائلها مشتركة في الحيثيّة الموجوديّة ونرى أنّ كلّما يشترك في تلك الحيثيّة مع غيره وكان بحيث يمكن حمل الموجود عليه تعدّ من المسائل الفلسفيّة والعلوم الإلهيّة وهكذا الأمر في مسائل الصّرف وهكذا سائر العلوم والفنون.
هذا في الجهة المشتركة. أمّا الجهات المائزة بين المسائل فمعلوم أنّها خارجة بحسب المفهوم عن تلك الحيثيّة المشتركة إذ المفروض أنّها جهة افتراق المسائل بعضها عن بعض فلا يمكن أن تكون تلك الجهات المائزة بمفاهيمها عين الحيثيّة المشتركة مفهوما بل لا محيص عن المغايرة المفهوميّة إلّا أنّها مع كثرتها بكثرة المسائل المفروضة للعلم ترجع كلّها إلى واحدة الحيثيّة المشتركة وكانت بحيث أنّ كثرتها لا يضرّ بواحدة تلك الحيثيّة لأنّ هذه الحيثيّات