المائزة بين المسائل تكون من تعيّنات تلك الحيثيّة الجامعة فتكون كثراتها منطوية في واحدة تلك الحيثيّة وذلك بدليل الحمل أي حمل الحيثيّة الجامعة على جميع الحيثيّات المائزة والحمل كاشف عن الاتحاد بينهما بنحو من الاتّحاد فحيث لم يكن الاتّحاد بينهما بحسب المفهوم بالحمل الأوّلي الذّاتي لفرض المغايرة المفهوميّة فيكون الاتّحاد بحسب الوجود والحمل الشّائع فيقال مثلا في المسائل الفلسفيّة : الجسم موجود ، الهيولى موجودة ، الصّورة موجودة ، النّفس موجودة ، العقل موجود ... إلى غير ذلك من المسائل فالحيثيّة الموجودة سارية في جميع تلك الحيثيّات ومتّحدة معها وجودا وإن كانت متغايرة معها مفهوما. فتحصّل من جميع ما قلناه في هذه المقدّمة أنّ المسائل المتفرّقة في كلّ علم من العلوم لها ـ مع قطع النّظر عن أغراض المدوّن ـ حيثيّتان متغايرتان في المفهوم ومتّحدتان في الوجود إحداهما الحيثيّة المشتركة الثّابتة السّارية في جميع المسائل والاخرى الحيثيّات المائزة بين المسائل فليكن هذا على ذكر منك.
المقدّمة الثّانية : المفاهيم إمّا ذاتيّ أو عرضيّ وكلّ واحد من المفاهيم الذّاتيّة أو العرضيّة له اصطلاح خاصّ في لسان أهل المنطق في باب الإيساغوجي وهو باب الكليّات الخمس واصطلاح خاصّ في باب البرهان واصطلاح ثالث في لسان أهل الحكمة ولا بدّ من بيان هذه الاصطلاحات وتوضيح الضّابط الأصليّ لكلّ من الاصطلاحات حتّى يتبيّن الفارق بينها ويتّضح المراد من العوارض الذّاتيّة في المقام.
وكثيرا ما وقع الخلط بين الاصطلاحات في أبواب العلوم ومن جملة موارد الخلط مقامنا هذا.
ولعلّ هذه المقدّمة من أهمّ المقدّمات الّتي مهّدناها لبيان موضوع العلم فنقول وعلى الله التّكلان :
ملاك الذّاتيّة والعرضيّة في كلّ باب من الأبواب الثّلاثة المذكورة متفاوت البتّة فيكون معنى الذّاتيّ والعرضيّ في باب مغايرا للذّاتيّ والعرضيّ فى باب آخر.