الحيثيّة المشتركة ومتّحدة معها بحسب الوجود ، (١) وأمّا أنّه مع كونهما عرضا لا ينافي تعيّن إحداهما للموضوعيّة وأخراهما للمحموليّة ، وأنّها من عوارضه الذّاتيّة المبحوث عنها في كلّ علم من العلوم ، فلأنّ الموضوع في مقامنا هذا ليس الموضوع بمعنى الجوهر المعروض للأعراض المقوليّة في اصطلاح الجواهر والأعراض بل المراد بالموضوع موضوع العلم الّذي يحمل عليه محمولات المسائل ، وأمّا أنّ موضوع العلم قد يكون محمولا في مسائل هذا العلم كما في علم الأصول وكما في الفلسفة الإلهيّة فسيجيء ذكره في المقدّمة التّالية.
المقدّمة الثّالثة : الموضوع الّذي يصلح للموضوعيّة في جميع القضايا هو ما يكون معلوما عند المتكلّم والمخاطب ، كما أنّ المحمول الّذي يصلح للمحموليّة هو ما يكون مجهولا عند المخاطب ويكون المطلوب العلم بما هو المجهول عنده ؛ مثلا إذا قيل زيد عالم كان المجهول ثبوته لزيد هو جهة العالميّة وهي المطلوب في تلك القضيّة فلذا لا يقال ذلك إلّا اذا كان المعلوم المتبادر أوّلا هو زيد فيقع موضوعا والمجهول ثبوته له هو علمه فيقع محمولا لا محالة.
وأمّا لو كان الأمر على عكس ذلك بأن يكون المعلوم وجود العالم والمجهول ثبوته هو أنّ هذا العالم الموجود هل هو زيد أو عمرو أو غيرهما فالمناسب بحسب الطّبع واللّغة هو انعكاس القضيّة فليقال العالم زيد وهكذا في مثال الرّجل في الدّار أو في الدّار رجل والميزان هو جعل المعلوم موضوعا وجعل المجهول ثبوته للموضوع محمولا.
قال بعض أعلام الأدب في كتابه : المجهول ثبوته لشيء عند السّامع في اعتقاد المتكلّم يجعل خبرا ويؤخّر وذلك الشّيء المعلوم يجعل مبتدأ ويقدّم ولا يعدل من تلك القاعدة
__________________
(١) (١) ـ وأمّا كون تلك الحيثيّات المائزة عرضا ذاتيّا لتلك الجهة المشتركة فلأنّ الحيثيّات المائزة تعدّ من تعيّنات الجهة المشتركة وخصوصيّاتها الوجوديّة فالذّاتيّ هاهنا ليس من الذّاتيّ في باب البرهان حتّى لا يحتاج إلى التّعليل والبحث بل الذّاتيّ هاهنا بمعنى أنّ تلك الأعراض يحمل على الجهة المشتركة بالحمل الشّائع كما في حمل الوجود على الماهيّة ففي علم الأصول كلّ واحدة من الجهات المائزة إنّما تعدّ فصلا للجهة المشتركة والجهة المشتركة هو موضوع علم الأصول الّذي قلنا أنّه الحجّة في الفقه. وهي بمنزلة الجنس للجهات المائزة. (المقرّر)