يرجون أن يكون النبيُّ المبعث منهم ، فلما بعث الله محمّداً صلّى الله عليه وسلّم من غيرهم خافوا ذهاب ملكهم وزوال رئاستهم ، فعمدوا إلى صفة محمّد صلّى الله عليه وسلّم فغيّروها ثمّ أخرجوها إليهم ، وقالوا : هذا نعت النبيِّ الذي يخرج في آخر الزمان ولا يشبه نعت هذا النبيّ الذي بمكّة ، فلمّا نظرت السفلة إلى النعت المغيّر وجدوه مخالفاً لصفة محمّد صلّى الله عليه وسلّم فلا يتبعونه ، فأنزل الله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ الله مِنَ الْكِتَابِ) يعني صفة محمّد صلّى الله عليه وسلّم ونبوّته ، (وَيَشْتَرُونَ بِهِ) المكتوم ، (ثَمَناً قَلِيلاً) عرضاً يسيراً يعني المآكل التي كانوا يصيبونها من سفلتهم»(١).
وكذلك الواحدي في أسباب النزول أيضاً ذكر في موضعين رواية عن الكلبي في طريقها أبو صالح عن ابن عبّاس وقد بدا في أحدهما الكلام عن المأكلة واضحاً وصريحاً ، وقد قال الواحدي في بيان سبب نزول الآية ٧٩ من سورة البقرة : «قال الكلبي بالإسناد الذي ذكرنا [عن أبي صالح عن ابن عبّاس] : إنّهم غيّروا صفة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في كتابهم ، وجعلوه آدم سبطاً طويلاً ، وكان ربعة أسمر صلّى الله عليه وسلّم. وقالوا لأصحابهم
__________________
(١) كذلك الثعلبي في تفسير الآية (٤١) من سورة البقرة فإنّه ينقل هذا التفسير عن الكلبي باختصار أكثر معرضاً عن السند ويذكره بهذا النحو : «(وَلاَ تَشْتَرُوا بِآيَاتِي) أي ببيان صفة محمّد ونعته (ثَمَناً قَلِيلاً) يسيراً ، وذلك أنّ رؤساء اليهود كانت لهم مآكل يصيبونها من سفلتهم وعوامّهم يأخذون منها شيئاً معلوماً كلّ عام من زروعهم [فخافوا إن تبيّنوا] صفة محمّد (صلى الله عليه وآله) وبايعوه أن تفوتهم تلك المآكل والرياسة ، فاختاروا الدنيا على الآخرة» الكشف والبيان ١/١٨٧.