ومن الملفت للنظر هو أنّ أبا الفتوح الرازي (ت ٥٥٤ هـ) كان يأخذ أسباب نزول الآيات من تفسير الثعلبي قبل أن يرجع إلى التبيان ومجمع البيان في تفسيرها ، كما يبدو منه في كثير من المباحث التفسيرية أنّه كان شديد التأثّر بما ينقله الثعلبي ، وقد ذكر في تفسير الآية ٧٩ من سورة البقرة : «ما كان من سبب نزول الآية هو أنّ جماعة من أحبار وعلماء اليهود كانت لهم في كلِّ سنة مأكلة ـ ضريبة ـ على اليهود فلمّا قدم النبيّ (صلى الله عليه وآله) وعلموا أنّه نبيّ آخر الزمان ورأوا صفاته مطابقةً لما عندهم في التوراة وكان صفته فيها حسن الوجه ، أسود الشعر ، أكحل العين ، ربعة ، فعمدوا إلى الصحف فغيّروها وكتبوا مكانها : رجل قصير القامة ، دميم الوجه ، أزرق العين ، سبط الشعر ، فلما هاجر الرسول (صلى الله عليه وآله) من مكّة وقدم المدينة وكان اليهود قد سمعوا بصفاته من قبل فلمّا رأوه قالوا : هذا هو النبي الذي جاءت صفته في التوراة ، فجاؤوا إلى أحبارهم وكبارهم وقالوا لهم : هذا هو نبيّ آخر الزمان ، فانكروا عليهم ذلك وقالوا : حاشا وكلاّ ! وألبسوا عليهم الأمر وجاؤوهم بالصحف التي كتبوها بأيديهم وأروهم ذلك وصدّوهم عن الطريق وأضلّوهم عن معرفته (صلى الله عليه وآله) فهدّدهم الله تبارك وتعالى قائلاً عزّ من قائل : (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ
__________________
الذي كتبوا ، فنظر إليه كعب ففرح ومارَهم وأنفق عليهم ، فأنزل الله تعالى هذه الآية. وقال عكرمة : نزلت في أبي رافع وكنانة بن أبي الحقيق وحُيي بن أخطب وغيرهم من رؤساء اليهود ، كتبوا ما عهد الله إليهم في التوراة من شأن محمّد صلّى الله عليه وسلّم وبدّلوه وكتبوا بأيديهم غيره ، وحلفوا أنّه من عند الله لئلاّ يفوتهم الرّشا والمآكل التي كانت لهم على أتباعهم».