المبحث الرابع
أسفاره
من المتسالم عليه ـ رجاليّاً وتاريخيّاً ـ أنّ الكليني ارتحل كثيراً وسافر متنقّلاً بين البلدان الإسلامية ، فقد كان حريصاً على (تحمل الحديث ونقله) ، متحرّجاً في إسناده ومتمعّناً في (متنه) ، ولذا فقد آثر الهجرة ليستوحي الفكرة إذ أنّ الرحلات يومذاك من عوامل مقاومة (الوضع) في الحديث ومن مظاهر اهتمام الصحابة والتابعين وأتباعهم بالحديث الشريف الرحلة في طلبه ، لتفاوتهم في حفظه وفهمه.
وأخبار رحلات العلم في طلب الحديث كثيرة يضيق بها المقام ، اتسعت الرحلة في طلب الحديث في القرن الثاني الهجري والقرن الثالث الهجري ، وصارت سمة العلم كما أنّها أصبحت من منهج المحدّثين في العلم ، قال يحيى بن معين : «اربعة لا تؤنس منهم رشدا : حارس الدرب ، ومنادي القاضي ، وابن المحدّث ، ورجلاً يكتب في بلده ولا يرحل في طلب الحديث» ، ومن أهمية الرحلات واهتمامهم بها فقد كتب الرامهرمزي (ت٣٦٠هـ) قائمة بأسماء المرتحلين في طلب الحديث في كتابه المحدّث الفاصل ، وأخرج الخطيب البغدادي (ت٤٦٣هـ) مؤلّفه الرحلة في طلب الحديث(١) ، وصارت كتب التراجم تصف فلاناً بالمصري ثمّ المكّي ثم
__________________
(١) الرحلة في طلب الحديث.