دقيق ، وتحرِّيات شاملة ، فلم يكتف بماحفظ قلبه ، ولا بما كتب بيده ، ولا بما سمع بأذُنه ، بل جعل يتتبّع ويستقصي آخذاً على نفسه أن يعتمد في جمعه على مصدرين اثنين :
أحدهما ـ ما كتب بين يدي رسول الله.
والثاني ـ ما كان محفوظاً في صُدور الرجال.
وبلغ من مبالغته في الحيطة والحذر أنّه لم يقبل شيئاً من المكتوب حتّى يشهد شاهدان عدْلان أنّه كتب بين يدي رسول الله(صلى الله عليه وآله)...» [ثمّ ذكر روايتين عن ابن أبي داود ،أحدهما عن طريق يحيى بن عبدالرحمان وثانيهما عن طريق هِشام بن عُروة ، كماتقدّم عنه الرقم ١١ و٦] ثمّ قال :
«قال السَّخاوي في جمال القُرّاء ما يفيد أنّ المراد بهما رجلان عدلان ، إذ يقول ما نصّه :(المراد أنّهما يشهدان على أنّ ذلك المكتوب كتب بين يدي رسول الله).
ولم يعتمد زيد على الحفظ وحده ، ولذلك قال في الحديث الذي رواه البخاري سابقاً :إنّه لم يجد آخر سورة براءة إلاّ مع أبي خزيمة ، أي لم يجدها مكتوبةً إلاّ مع أبي خزيمة الأنصاري ، مع أنّ زيداً كان يحفظها ، وكان كثيرٌ من الصحابة يحفظونها ،ولكنّه أراد أن يجمع بين الحفظ والكتابة زيادةً في التوثّق ، ومبالغة في الاحتياط.
وعلى هذا الدستور الرشيد تَمّ جمع القرآن بإشراف أبي بكر وعمر وأكابر الصّحابة وإجماع الأمّة عليه دون نكير ، وكان ذلك منقبة خالدة لا يزال