يتعدى اليه الأمر ويتعلق به تماما كالمهندس حين يتكلم عن المربع من حيث هو ذهبا كان أم خشبا. أما الفقيه فإنه ينظر الى ما تعدى اليه الأمر وتعلق به ، ويفتي بموجبه تماما كعالم الطبيعة ، ومن هنا قيل : ان نتيجة القضية الاصولية كلية ، ونتيجة القاعدة الفقهية جزئية.
الموضوع
تكلم المولعون بنقل الخلاف ، وأطالوا الكلام حول موضوع علم الأصول : هل هو الأدلة الأربعة : الكتاب والسنة والإجماع والعقل بما هي أدلة ، أو بما هي هي بصرف النظر عن وصف الدلالة ، أو «لا موضوع لعلم الأصول واقعا» على حد تعبير الشيخ الفياض المقرر لدرس السيد الخوئي ، أو «لا لزوم للموضوع ولا دليل عليه» كما في أصول المظفر. وقام جدال حام حول هذه الأقوال ولم يقعد! وليس هذا الأسلوب من مذهبي في شيء.
والذي أفهمه ببساطة ان موضوع كل علم هو عين المسائل التي يبحثها ذلك العلم كباب المبتدأ أو الخبر ونحوه في علم النحو ، ومبحث التصورات والتصديقات والقياس في علم المنطق. وعليه فكل بحث يتصل بمبدإ من مبادئ الاستنباط لحكم من أحكام الشريعة فهو من مسائل علم الأصول وموضوعه في الصميم.
وقد يقع البحث في علم الأصول في شكل الاستنباط من الأصل وعمليته ، لا في اعتباره وكونه حجة لازمة ، لأن اعتباره وحجته ثبتت بضرورة الدين. ومن البديهي ان الضرورات لا يبحث العلم عنها ، ومن هذا النوع الذي ثبتت حجته بضرورة الدين ، الأصول الأربعة : الكتاب والسنة والإجماع والعقل.
وقد يقع البحث في ان هذا الشيء : هل هو أصل من أصول الفقه يتوصل به الى معرفة الحلال والحرام ، أو ليس بأصل؟ كالبحث عن حجية خبر الواحد والقياس والشهرة والإجماع المنقول والاستصحاب والبراءة وغير ذلك. والحق ان البحث في هذا النوع يرجع أيضا الى البحث عن شئون الأصول الأربعة وما يستفاد منها ، لأن قولنا : هل خبر الواحد أو القياس حجة ـ مثلا ـ معناه هل يوجد دليل من الكتاب أو السنة المتواترة أو الإجماع أو العقل ، على ان القياس أو خبر الواحد أصل من أصول الفقه حيث لا دليل هنا إطلاقا وراء هذه الأصول الأربعة؟