وإذا كان عدم صدق النفي دليلا على الحقيقة كان صدقه دليلا على المجاز. وتجدر الإشارة إلى أن عدم صحة السلب عند العارفين بالوضع هو طريق العلم به لمن يجهل الوضع تماما كما هو الشأن في التبادر.
والخلاصة إذا كان المخاطب على علم اليقين من مراد المتكلم بنى عليه ، وعمل بمقتضاه ، سواء استعمل المتكلم كلامه في معناه الحقيقي أم المجازي ، وان لم يعلم المراد ، وكان من أهل اللغة اعتمد على ما يفهمه من ظاهر الكلام وسياقه وألغى جميع الاحتمالات المضادة ، ولا علاقة لذلك بالوضع وعلاماته. ويأتي التفصيل.
وان لم يفهم المخاطب شيئا من اللفظ ـ وهنا محل الكلام ـ لم يفهم لأنه غريب عن اللغة ، أو كان من أبنائها ولكنه غير متمكن منها ، ولا يملك ناصيتها ، ان كان كذلك فسّر المعنى الحقيقي الموضوع له اللفظ ، فسره بالنقل الموثوق به ، أو بتبادر الآخرين من أهل اللغة ، أو بعدم صحة السلب عندهم.
الظاهر ومراد المتكلم
في الفقرة السابقة أشرنا إلى أنه لا أساس إطلاقا لأصل الحقيقة في الاستعمال ، أما العمل بظاهر الكلام كأصل ومقياس لمعرفة مراد المتكلم والعلم بإرادته من الكلام فإنه حق لا ريب فيه لتباني العقلاء قديما وحديثا على إلغاء الاحتمال المضاد لدلالة الظاهر من اللفظ. وليس من شك ان الشارع على هذه السبيل في كلامه وخطاباته. قال سبحانه : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ) ـ ٤ إبراهيم». أي يخاطبهم بنفس الاسلوب الذي يجرون عليه ، ويترجم رسالة الله الى لغة الناس وإلا انتفت الغاية من الرسالة ، ولم تكن الدعوة حكيمة ، والموعظة حسنة.
وللظهور في اللغة العديد من المعاني ، ومنها البيان ، يقال : أظهر الشيء أي بيّنه سواء أكان البيان قويا لا يقترن باحتمال مضاد ، أم ضعيفا يقترن به. وأيضا للنص أكثر من معنى في اللغة ، ومن ذلك الظهور والبيان يقال : هذا الحكم فيه نص أو منصوص عليه في الشريعة ، أي ان الشارع أظهره وبيّنه للناس ، سواء اقترن باحتمال النقيض أم لم يقترن. ومعنى هذا أن النص والظهور في اللغة قد يعبران عن معنى واحد.