ولكن النص في اصطلاح الكثير من أهل العلم بالفقه وأصوله هو اللفظ الذي لا يتطرق اليه احتمال مضاد مثل قوله تعالى : («وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَساءَ سَبِيلاً) ـ ٣٢ الإسراء». أما الظاهر فيتطرق اليه هذا الاحتمال مثل (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا) حيث نحتمل أن بيع الحصى والملامسة محرمان (١). وأيضا نحتمل أنه لا ربا بين الآباء والأبناء ، ولكن العلماء كلهم أو جلهم اتفقوا على ان العمل بظاهر اللفظ هو الأصل والأساس في الخطابات الشرعية والعرفية حتى يثبت العكس ، وبهذا نلغي كل احتمال مضاد ، نلغيه من حيث العمل والتأثير.
لأن ظاهر الكلام يجسد إرادة المتكلم ، ويجعلها بحكم عمله يستحق عليها الثواب والعقاب بعد أن أعلنها بواسطة اللفظ ونقلها من عالم الداخل الى عالم الخارج. وتسمى هذه الإرادة الإرادة الظاهرة حيث تمّ التعبير عنها بالكلام ، وهي بطبيعتها تكشف عن الإرادة الحقيقية التي تدور الأحكام مدارها وجودا وعدما. ومن هنا يدرس علماء النفس اللغة كمظهر أساسي من سلوك الانسان ، والى هذا يومئ قول الإمام أمير المؤمنين (ع) : «من علم ان كلامه من عمله قلّ كلامه إلا فيما يعنيه».
وتسأل : هل العمل بظاهر اللفظ هو الأصل مطلقا حتى ولو لم يحصل الظن بمراد المتكلم ، أو بشرط وجوده وحصوله بحيث يكون الظاهر لغوا مع عدم الظن.
الجواب :
إن الركون الى هذا الأصل يستند الى وجود الظاهر ، لا الى وجود الظن الناشئ من الظاهر أو غيره. والدليل القاطع على ذلك ان المخاطب بظاهر الكلام يجب عليه شرعا وعرفا وعقلا أن يسمع ويطيع على كل حال ، ولا يسوغ له أن يخالف ما ظهر الى غيره متذرعا بعدم حصول الظن وحدوثه ، واذا خالف الظاهر وعصاه استحق الذم والعقاب ، كما انه اذا أطاعه استحق المدح والثواب ، وان لم يحصل له الظن ، أو حصل الظن المعاكس.
ومن هنا رأينا العلماء قديما وحديثا يأخذون بعموم العام وإطلاق المطلق وبكل
__________________
(١) بيع الحصى أن يقول البائع للمشتري بعتك ما تقع عليه حصاؤك بكذا اذا رميت بها. وبيع الملامسة أن يقول : إذا لمست المبيع فقد وجب البيع. وكان هذان البيعان في الجاهلية ، ونهى عنهما الإسلام.