معاني الحروف
ليس من شك ان الفقيه في أشد الحاجة الى معرفة معاني الحروف ، لأن عليها مدار الكثير من مسائل الفقه واستنباط الأحكام من نصوص الكتاب والسنّة. ومن ذلك على سبيل المثال :
قوله تعالى : (وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ) ـ ٦ المائدة». ولو لا مكان الباء في الآية لوجب مسح الرأس كله لا بعضه.
وقوله : (فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) ـ ٨٩ المائدة» حيث دلت «أو» ان الواجب من هذه الثلاثة واحد على التخيير ، فأيها فعل فقد امتثل ، والباقي قربة وتطوع.
وقوله : (فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى) ـ ٩ الأعلى» فالشرط المدلول عليه ب «إن» ليس شرطا اصطلاحيا ، ولا قيدا للأمر بالنفع ، وانما هو ذم في صورة الشرط لمن لا ينتفع بالذكرى تماما كقولك للواعظ : عظ الطغاة ان سمعوا منك .. الى كثير من آيات الأحكام وأحاديثها.
وقد يقول قائل : أجل ، ان في آيات الأحكام وأحاديثها حروفا كثيرة ، والعلاقة بين معانيها وبين الاستنباط واضحة وقوية ، ولكن هذه العلاقة بالذات موجودة أيضا بين الاستنباط ومعاني الأسماء والأفعال التي وردت في النصوص الشرعية ، وهي أكثر عددا من الحروف أضعافا. ومن ذلك ـ أيضا لمجرد التمثيل ـ (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ) ـ ١٧٨ البقرة» .. (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ) ـ ٣ المائدة» فكتب وحرم من الأفعال ، والقصاص والميتة الخ من الأسماء. والآيتان من آيات الأحكام.
فلما ذا اهتم الأصوليون بمعاني الحروف دون الأفعال والأسماء؟ أليس الكل بمنزلة سواء من حيث حاجة الفقيه اليها ، وتوقف الاستنباط عليها؟ هذا ، الى أن معاني المفردات من الأسماء والأفعال والحروف ـ تحددها وتبينها معاجم اللغة ومصطلحات العرف ، وأيضا كتب النحو بالنسبة الى معاني الحروف ، وليس كتب الأصول.
وأجيب عن هذا السؤال بأن حاجة الفقيه الى العلم بمعاني الحروف أشد من