الحال والماضي والاستقبال
وتسأل : كيف يمكن الجمع بين قول الأصوليين : المشتق لا يدل على الزمان ، وقولهم : هو حقيقة فيمن تلبس بالمبدإ في الحال ، ومجاز فيمن تلبس به في الاستقبال اتفاقا ، ومحل الخلاف فيمن تلبس به في الماضي ، فمن قائل بأنه مجاز ، وقائل بأنه حقيقة في القدر المشترك بين الماضي والحال؟.
الجواب :
أراد الأصوليون بالتلبس هنا مجرد اتصاف الذات بالمعنى ومباشرتها له في أي زمان ، ومرادهم بالمبدإ المعنى والمصدر الذي انبثق منه الوصف ، وأما الحال الذي أوقع السائل وغيره في الالتباس ـ فإن الأصوليين لا يريدون به الزمان ، ما في ذلك ريب ، وانما يريدون حالة اتصاف الذات بالمعنى وتلبسها به ، ومباشرتها له بصرف النظر عن زمان الاتصاف والتلبس تماما كما تقول : قبض على فلان بالجرم المشهود ، أي حال مباشرته الجريمة بصرف النظر عن زمن حدوثها.
أجل ، ان المراد هنا بكل من الماضي والاستقبال ـ الزمان ، ولكن على انه ظرف لاتصاف الذات بالمبدإ والمصدر الذي انبثق منه الوصف ، وليس قيدا له (أي لمدلول المشتق). وهذا الظرف الذي حدث فيه الاتصاف قد يكون مقارنا لزمن النطق ، وقد يكون سابقا عليه ، أو لاحقا له. وبناء على ان الزمان ليس قيدا لمدلول المشتق نتساءل : اذا أطلقنا المشتق على الذات المتصفة بمصدره ومبدأه ، وأردنا انها كذلك في زمان معين من الأزمنة الثلاثة ـ فهل يكون هذا الاطلاق حقيقة أم مجازا؟ والجواب عن هذا التساؤل يستدعي التفصيل التالي :
١ ـ أن نطلق المشتق على الذات لمجرد أنها قد اتصفت به في آن ما ، مثل فاعل السوء مجزي به ، والسارق يقطع ، والزاني يجلد ، ومن عبد صنما لا يكون إماما. وهذا النحو من الإطلاق حقيقة بالاتفاق ، وخارج عن موضوع البحث.
٢ ـ أن نطلق كلمة ضارب على زيد ـ مثلا ـ قبل أن يباشر الضرب ، نطلقها عليه لمجرد الحكاية والإخبار بأنه سيكون ضاربا غدا. وقد اتفقوا على أن مثل هذا الاطلاق حقيقة حيث لاحظنا واعتبرنا حالة الاتصاف والتلبس الآتية ،