وأيضا قيل : إن مادة أمر موضوعة لطلب القول الدال على طلب الفعل بصيغة أفعل وما في معناها ، فإذا استعملت هذه المادة في طلب القول مثل : وأمر أهلك بالصلاة ، كان الاستعمال على سبيل الحقيقة ، وان استعملت في طلب الفعل مباشرة مثل أمرتك بالصلاة ـ فمجاز.
ونجيب بأن مادة الأمر تدل على الوجوب سواء تعلق هذا الوجوب بالقول ، أم بالفعل ، لأن كل واحد منهما فرد من أفراد المأمور به.
ومن أوضح الأدلة على أن الأمر بمادته يدل على الوجوب قوله تعالى لإبليس : (ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ) ـ ١٢ الأعراف». فإن التعليل «بإذ» يومئ إلى أن الأمر بمجرده للإلزام ، ومثل هذه الآية في الصراحة والوضوح قوله سبحانه : (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ) ـ ٦٣ النور». لأن الذم والتهديد إنما يتوجهان لمن أعرض وتولى عما وجب عليه وفاؤه وأداؤه. وقال : (أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي) ـ ٩٣ طه». ولا معصية بلا وجوب.
وقال الرسول الأعظم (ص) : «لو لا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة» أي لو أمر لوجب ، ولكنه لم يأمر فلم يجب. ويثبت الندب بدلالة الإشارة دون العبارة حيث لا مشقة في المندوب.
أما القول بأن الوجوب في الأمر مدلول للعقل دون اللفظ لحكمه بطاعة المولى فلسنا بحاجة اليه ما دام الأمر هو السبب الموجب ، مباشرة أو بالواسطة ولا فرق في الحالين من حيث النتيجة.
العلو والاستعلاء
قالت طائفة من الأصوليين القدامى والجدد : ان العلو والاستعلاء أو أحدهما جزء أو قيد لمدلول الأمر احترازا عن الدعاء والالتماس ، ومرادهم بالعلو سمو المكانة في الواقع ونفس الأمر ، وبالاستعلاء إظهار العلو سواء أكان لهذا الإظهار واقع أم لم يكن.
ونحن نرفض التعالي والعلو ، لأن للإنسان وصفاته كلمات خاصة تدل عليه وعليها ، وليس منها أمره ونهيه ، أجل قد يقال : فلان ذو أمر ونهي كناية