وأنا صاحب الرّجعات والكرّات ، وصاحب الصّولات والنّقمات والدّولات العجيبات ، وأنا قرن من حديد » الحديث (١) .
في توضيح الرواية الباقرية
أقول : يحتمل أن يكون المراد من التّكلّم بالكلمة : هو إشراق فيض الوجود ، ومن صيرورتها نورا : وجود العقل الكلّي ، ومن خلق محمّد وعليّ وذرّيّته عليهمالسلام من ذلك النّور : جعل قوام حقيقتهم به ، ومن إسكان أرواحهم الطيّبة في النّور : إحاطة العقل بأرواحهم واتّصالها وتكميلها به ، ومن إسكان أرواحهم في أبدانهم : تعلّقها بقوالبهم المثاليّة في عالم الأشباح والصّور ، ومن قوله : « فنحن روح الله وكلماته » : كون أرواحهم أشرف الأرواح وأكمل بدائعه تعالى ، ومن احتجابه تعالى بهم عن خلقه : جعلهم وسائط فيوضاته بينه وبين جميع الموجودات ، فكأنّهم قائمون بينه وبينهم ، وهم الأوّلون وسائر الخلق من ورائهم ، ومن ثباتهم في ظلّة (٢) خضراء : بقاؤهم في عالم الأشباح حيث لا وجود لعالم الأجسام ، وكان أخذ الميثاق عن الأنبياء في عالم الذّرّ أو عالم الأرواح ، وتكون نصرتهم له ووفاؤهم بالعهد في زمان الرّجعة.
ثمّ ﴿قالَ﴾ الله للأنبياء وحيا ، ولأممهم بلسانهم تقريرا وتأكيدا للعهد عليهم : ﴿أَ أَقْرَرْتُمْ﴾ بذلك الميثاق والإيمان والنّصرة لمحمّد صلىاللهعليهوآله ولسائر الأنبياء ﴿وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ﴾ الميثاق ﴿إِصْرِي﴾ وعقدي الذي عقدته عليكم والتزمتم بالعمل به ﴿قالُوا﴾ إنّ الجواب : ربّنا ﴿أَقْرَرْنا﴾ بذلك العهد والتزمنا بالوفاء به.
ثمّ ﴿قالَ﴾ سبحانه : ﴿فَاشْهَدُوا﴾ أيّها الأنبياء والأمم بعضكم على بعض. ثمّ قال تأكيدا وتحذيرا عن الرّجوع : ﴿وَأَنَا﴾ أيضا ﴿مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ﴾ على إقراركم ومصاحب لكم ﴿فَمَنْ تَوَلَّى﴾ منكم عن العهد ، وأعرض عن الوفاء به ﴿بَعْدَ ذلِكَ﴾ الميثاق المؤكّد بالإقرار به والإشهاد عليه ﴿فَأُولئِكَ﴾ المعرضون ﴿هُمُ الْفاسِقُونَ﴾ الخارجون عن طاعة الله وانقياده ، المتجاوزون عن حدود العقل ، المنحرفون عن طريق الخير.
أقول : بعد ثبوت عصمة الأنبياء ، وعدم إمكان نقضهم عهد الله وإعراضهم عن الميثاق ، لا بدّ من الالتزام بكون التّهديد راجعا إلى الأمم خاصّة ، وكان أجرأهم عليه بنو إسرائيل ، حيث إنّهم بعدما أخذ الله عليهم الميثاق بالإيمان بمحمّد صلىاللهعليهوآله ونصرته ، خالفوه وعارضوه ونصروا أعداءه.
﴿أَفَغَيْرَ دِينِ اللهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً
__________________
(١) تفسير الصافي ١ : ٣٢٥.
(٢) في النسخة : ظلمة.