وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (٨٣)﴾
ثمّ أنّه تعالى لمّا بيّن أنّ دين محمّد صلىاللهعليهوآله ونصرته دين الله الذي لو كان موسى بن عمران وعيسى بن مريم في زمانه كان عليهما متابعته ، كما روي عنه صلىاللهعليهوآله ، قال : « لقد جئتكم بها بيضاء نقيّة ، أما والله لو كان موسى بن عمران حيّا لما وسعه إلّا اتّباعي » (١) .
وظهر أنّ الله أخذ على الامم الميثاق باتّباعه ، وكان ذلك الميثاق مذكورا في التّوراة وسائر الكتب السّماوية ، وكانوا عارفين به ، وكانوا عالمين بصدق محمّد صلىاللهعليهوآله في دعوى النّبوّة ، بشهادة الكتب السّماوية ، ودلالة المعجزات ، فلم يكن سبب لكفرهم وجحودهم إلّا كونهم طالبين دينا غير دين الله.
وهذا في غاية الشّناعة والعجب من العاقل ، ولذا وبّخهم سبحانه عليه بقوله : ﴿أَفَغَيْرَ دِينِ اللهِ﴾ من الوثنيّة واليهوديّة والنّصرانيّة ﴿يَبْغُونَ﴾ ويطلبون ، مع أنّ حقيقة دين الإسلام هو التّوحيد الخالص ، والتّسليم والانقياد لله ، ﴿وَ﴾ الحال أنّ ﴿لَهُ﴾ وحده ﴿أَسْلَمَ﴾ وأخلص وانقاد ﴿مَنْ﴾ هو كائن ﴿فِي السَّماواتِ﴾ من الكرّوبيّين والملائكة المقرّبين ﴿وَ﴾ من في ﴿الْأَرْضِ﴾ من الجنّ والإنس ﴿طَوْعاً﴾ ورغبة بالمشاهدة والبراهين ﴿وَكَرْهاً﴾ بما فيهم من آثار الصّنع ، فإنّ اقتضاء الحدوث والإمكان والمعلوليّة نفوذ قدرته فيهم ، بتصريفهم كيف يشاء إلى صحّة ومرض ، وغنى وفقر ، وسرور وحزن ، بحيث لا يمكنهم دفع قضائه وقدره.
﴿وَإِلَيْهِ﴾ وإلى حكمه بالموت والبعث في الآخرة ﴿يُرْجَعُونَ﴾ فلا يملكون لأنفسهم في محكمة عدله وقضائه نفعا ولا ضرّا ، فيعذّب من أعرض عن دينه وطلب غيره بالعذاب الشّديد الدّائم.
روي أنّ فريقين من أهل الكتاب اختصموا إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله في ما اختلفوا فيه من دين إبراهيم عليهالسلام ، فقالوا : ما نرضى بقضائك ، ولا نأخذ بدينك ، فنزلت هذه الآية (٢) .
﴿قُلْ آمَنَّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ عَلَيْنا وَما أُنْزِلَ عَلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ
وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَما أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ
أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (٨٤)﴾
ثمّ لمّا كان ميثاقه تعالى على الأنبياء ، أو على أممهم أن يؤمنوا برسول مصدّق لما معهم ، أمر سبحانه نبيّه بأن يعلن بأنّ دينه دين الله ، وبتصديقه جميع الأنبياء وما أنزل عليهم ، بقوله : ﴿قُلْ﴾ يا محمّد من قبل نفسك ، وعن جميع المؤمنين بك : نحن ﴿آمَنَّا بِاللهِ﴾ وحده ، واعترفنا بأنّه المستحقّ بالذّات
__________________
(١) تفسير الرازي ٨ : ١١٥.
(٢) تفسير الرازي ٨ : ١٢٢.