للعبادة ، لا إله ولا معبود سواه - وإنّما قدّمه لأنّه الأصل في الدّيانات ﴿وَ﴾ آمنّا بجميع ﴿ما أُنْزِلَ﴾ من عند الله ﴿عَلَيْنا﴾ من القرآن والمعارف والعلوم والأحكام.
وقيل : إنّ المراد من الضّميرين نفسه المقدّسة ، وإنّما امر أن يعبّر عن نفسه بضمير الجمع لإظهار جلالة قدره ، ورفعة محلّه ، كما هو الدّأب في تكلّم الملوك (١) .
وإنّما قدّم الإيمان بما انزل إليه على الاعتراف بصدق ما انزل على غيره من قبل ؛ لأنّه المعروف له ، والمبتلى به فعلا.
ثمّ شهد بصدق ما انزل على غيره من الأنبياء بقوله : ﴿وَ﴾ آمنّا بكلّ ﴿ما أُنْزِلَ﴾ من الله ﴿عَلى﴾ أنبيائه ﴿إِبْراهِيمَ وَ﴾ ابنيه ﴿إِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَ﴾ ولده ﴿يَعْقُوبَ﴾ من الصّحف والأحكام والسّنن ﴿وَ﴾ على ﴿الْأَسْباطِ﴾ الاثني عشر ؛ حفدة يعقوب ، وفيهم كثير من الأنبياء.
﴿وَ﴾ آمنّا بكلّ ﴿ما أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى﴾ من التّوراة والإنجيل ، والمعجزات التي ظهرت بأيديهما - وتخصيصهما بالذّكر ، مع كونهما من الأسباط ، لعلوّ شأنهما ، وكون الكلام مع اليهود والنّصارى - ﴿وَ﴾ بما أوتي ﴿النَّبِيُّونَ﴾ غير المذكورين ﴿مِنْ﴾ مواهب ﴿رَبِّهِمْ﴾ ومليكهم اللّطيف بهم.
ولمّا لم يكن فرق بينهم في دلائل صدق النّبوّة ، وشواهد الرّسالة ، فنحن أيضا ﴿لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ﴾ في الإيمان والتّصديق ، كما فرّق اليهود والنّصارى بينهم ، بأن آمنوا ببعض وكفروا ببعض ؛ وذلك لأنّا لله منقادون ﴿وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ بخلاف أهل الكتابين فإنّهم لهوى أنفسهم متّبعون ، وبالله مشركون.
ثمّ لا يذهب عليك أنّه لا منافاة بين الإيمان بنبوّة الأنبياء السّابقة وصحة دينهم ، وبين الاعتقاد بانقضاء مدّة نبوّتهم ونسخ دينهم ، لوضوح أنّ المراد من الإيمان الاعتراف بصحّة نبوّتهم المؤقتة ، ووجوب الالتزام بدينهم على جميع أممهم.
وفي الاقتصار على تصديق الأنبياء السّابقين إشعار بختم النّبوّة والدّين به صلىاللهعليهوآله وبدينه.
﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ (٨٥)﴾
ثمّ قرّر سبحانه كون الإسلام دين الله دون غيره ، بتشديد التّهديد على مخالفته والتّديّن بغيره ، بقوله : ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ﴾ ويختار لنفسه ﴿غَيْرَ﴾ دين ﴿الْإِسْلامِ﴾ الذي قد سبق أنّ حقيقته التّوحيد الخالص ، والتّسليم لأحكام الله وطلب مرضاته ﴿دِيناً﴾ ينتحل إليه ، كالوثنيّة واليهوديّة والنّصرانيّة وغيرها ﴿فَلَنْ
__________________
(١) تفسير روح البيان ٢ : ٥٨.