يُقْبَلَ﴾ ذلك الدّين الباطل ﴿مِنْهُ﴾ أبدا ، ولا يؤجر عليه شيئا ﴿وَهُوَ﴾ مع ذلك ﴿فِي الْآخِرَةِ﴾ محسوب ﴿مِنَ الْخاسِرِينَ﴾ المغبونين ، حيث إنّه ضيّع فطرته السّليمة التي فطر النّاس عليها ، وحرّم على نفسه الثّواب الجزيل الدائم ، والنّعم العظيمة الباقية ، ثمّ اشترى العذاب الشّديد الأبد ، فيدخله من التأسّف والتّحسّر على ما فاته في الدّنيا من الأعمال الصّالحة وحلاوة العبادة ، وعلى ما تحمّله من التّعب والمشقّة في تحصيل الحطام الدّنيوي وتقرير ذلك الدّين الباطل ما لا يتصوّر ولا يعلمه إلا الله.
في أن ولاية آل الرسول داخلة في الاسلام الحقيقي المرادف للايمان
ثمّ اعلم أنّ لفظ الإسلام كان مرادفا للإيمان ، وحقيقته حقيقته ، وهو الإقرار بالشّهادتين ، والتّصديق بجميع ما جاء به النبيّ صلىاللهعليهوآله ، عن صميم القلب ، فيدخل فيه ولاية آل الرّسول صلوات الله عليهم وخلافة علي والمعصومين من ذرّيّته.
فمن أنكر ولايتهم ووجوب طاعتهم ، فقد اختار لنفسه دينار غير الإسلام ، حيث إنّ من أنكر واحدا ممّا جاء به الرّسول يكون كمن أنكر جميعه.
نعم ، يكون لمن أقرّ بالشّهادتين ، ولو كان منافقا على الأظهر ، أحكام خاصّة من طهارة الجسد ، واحترام المال ، وجواز المناكحة ، ووجوب غسل ميّته وتكفينه ودفنه ، دون غيرها من الأحكام كحرمة غيبته ، وجواز الاقتداء به ، وإعطائه الزّكاة الواجبة والكفّارات ، وقبول الرّواية والشّهادة.
﴿كَيْفَ يَهْدِي اللهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجاءَهُمُ
الْبَيِّناتُ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٨٦)﴾
ثمّ أنّه تعالى - بعد بيان عظمة دين الإسلام ، وأنّه دينه الذي ارتضاه لملائكته وسائر خلقه ، والمبالغة في تهديد المعرضين عنه ، وعدّهم من الخاسرين - بالغ في التوعيد والتّهديد على من خرج عنه بعد دخوله فيه ، وجحده بعد ما أقرّ به ، بقوله استعجابا وإنكارا : ﴿كَيْفَ يَهْدِي اللهُ﴾ إلى طريق الحقّ ، ويوّفق للرّشاد بالعنايات الخاصّة ﴿قَوْماً﴾ ورهطا ﴿كَفَرُوا﴾ بالرّسول ، وارتدّوا عن دين الإسلام ﴿بَعْدَ إِيمانِهِمْ﴾ بهما.
قيل : هم عشرة رهط ارتدوا بعدما آمنوا ولحقوا بمكّة (١) ، وقيل : هم يهود قريظة والنّضير ومن دان بدينهم ، وأنّهم كفروا بالنبيّ صلىاللهعليهوآله بعد أن كانوا مؤمنين به قبل مبعثه ، وكانوا يشهدون له بالنّبوّة ، فلمّا بعث صلىاللهعليهوآله وجاءهم بالبيّنات والمعجزات كفروا به بغيا وحسدا (٢) . وكلاهما مرويّ عن ابن عبّاس.
__________________
(١) تفسير الرازي ٨ : ١٢٦.
(٢) تفسير الرازي ٨ : ١٢٦.