قتل المجذّر بن زياد (١) البلويّ غدرا ، وهرب وارتدّ عن الإسلام ولحق بمكّة ، ثمّ ندم فأرسل إلى قومه أن سلوا رسول الله صلىاللهعليهوآله هل لي من توبة ؟ فنزلت فحملها رجل من قومه إليه ، فقال : إنّي لأعلم أنّك لصدوق ، ورسول الله صلىاللهعليهوآله أصدق منك ، وأن الله تعالى أصدق الثّلاثة. ورجع إلى المدينة ، وتاب وحسن إسلامه»(٢).
والظّاهر أنّ الآيات في المرتدّ الذي تاب عن ارتداده حقيقة ، ورجع إلى الإسلام واقعا وخالصا.
﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولئِكَ هُمُ
الضَّالُّونَ (٩٠)﴾
ثمّ أنّه سبحانه بعد بيان هذا القسم من المرتدّين ، ذكر القسم الثّاني منهم ؛ وهم الّذين استمرّوا على ارتدادهم باطنا ، ولكن تابوا نفاقا ، أو حين الاحتضار ، بقوله : ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ بالله ورسوله ﴿بَعْدَ إِيمانِهِمْ﴾ به ، وارتدّوا عن دين الإسلام بعد اعترافهم به ، ودخولهم فيه ﴿ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً﴾ استمرّوا عليه.
وقيل : إنّ المراد : الّذين كفروا بعيسى والإنجيل بعد إيمانهم بموسى والتّوراة ، ثمّ ازدادوا كفرا بجحودهم نبوّة محمّد صلىاللهعليهوآله وكتابه.
وقيل : الّذين كفروا بمحمّد صلىاللهعليهوآله بعد بعثته ، بعد إيمانهم به قبلها ، ثمّ ازدادوا كفرا بالإصرار عليه ، والطّعن فيه ، والصّدّ عن الإيمان به ، ونقض الميثاق.
وروي أنّ الآية نزلت في الّذين ارتدّوا وذهبوا إلى مكّة ، وازديادهم الكفر أنّهم قالوا : نقيم بمكّة نتربّص بمحمّد ريب المنون (٣) ، أو قالوا : نرجع إليه فننافقه.
فهؤلاء ﴿لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ﴾ عن ذنب ارتدادهم أبدا ، لعدم إخلاصهم فيها ، أو عدم صدورها عنهم إلّا عند الاحتضار ومعاينة عالم الآخرة.
وقال جمع من العامّة : إنّه تعالى لمّا قدّم ذكر من كفر بعد الإيمان ، وأنّه تقبل توبته ، ذكر في هذا الآية أنّه لو كفر مرّة اخرى بعد [ تلك ] التّوبة ، فإنّ التّوبة الاولى تصير غير مقبوله ، وتصير كأنّها لم تكن (٤) . وفيه نظر ظاهر.
ثمّ بعد تهديد هم بعدم قبول توبتهم ، ذمّهم بقوله : ﴿وَأُولئِكَ﴾ المرتدّون لتناهيهم في الضّلال ،
__________________
(١) كذا في اسد الغابة ١ : ٣٣٢ ، وفي جمهرة أنساب العرب ١ - ٢ : ٣٣٧ : المجذّر بن ذياد ، وفي النسخة : المحذّر بن زياد.
(٢) مجمع البيان ٢ : ٧٨٩ ، تفسير الصافي ١ : ٣٢٧.
(٣) تفسير الرازي ٨ : ١٣٠.
(٤) تفسير الرازي ٨ : ١٣٠.