وبالجزاء الجزيل على إنفاقه ، وعلى هذا يلزمه القيام بطاعة الله والتجنّب عن معاصيه ، أو التّخلّق بالأخلاق الجميلة.
في بيان فضيلة الإنفاق
ثمّ رغّب سبحانه في الإنفاق ، وبالغ فيه بقوله : ﴿وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ﴾ تحبّونه ، أو خبيث تكرهونه ، أو كثير في العلانية ، أو قليل في الخفية ﴿فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ﴾ حيث إنّه لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السّماء ، فيجازيكم بحسبه جيّدا كان المال أو رديئا ، قليلا كان أو كثيرا ، خفية كان الإنفاق أو علانية.
قيل : فيه غاية التّحذير من بذل الرّديء ، والتّرغيب في بذل الطّيّب ، فإنّ الآخرة هي عالم النّور والبقاء ، فلا وقع فيه للامور الظلمانيّة. فالوصول إلى المحبوب لا يكون إلّا ببذل المحبوب بنحو محبوب ، من خلوص النيّة ، واستجماع الخصال المرضيّة.
روي أنّه لمّا نزلت جاء أبو طلحة فقال : يا رسول الله ، إنّ أحبّ أموالي إليّ بئر حاء ؛ وهو ضيعة له في المدينة مستقبل مسجد النبيّ صلىاللهعليهوآله (١) .
وفي رواية : قال : لي حائط بالمدينة ، هو أحبّ أموالي ، أنا أتصدّق به.
وفي رواية : قال : فضعها يا رسول الله حيث أراك الله ، فقال صلىاللهعليهوآله : « بخ بخ ، ذاك مال رابح (٢) أو رائج ، وإنّي أرى أن تجعلها في الأقربين » فقسّمها في أقاربه (٣) .
وفي رواية : أنّه جعلها بين حسّان بن ثابت وأبيّ بن كعب (٤) .
وروي أنّ زيد بن ثابت جاء عند نزول الآية بفرس له كان تحته ، فجعلها (٥) في سبيل الله ، فحمل عليها رسول الله صلىاللهعليهوآله أسامة ، فوجد [ زيد ] في نفسه ، فقال صلىاللهعليهوآله : « إنّ الله قد قبلها » (٦) .
وعن ( المجمع ) : اشترى عليّ عليهالسلام ثوبا فأعجبه ، فتصدّق به وقال : « سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآله يقول : من آثر على نفسه آثره الله يوم القيامة بالجنّة ، ومن أحبّ شيئا فجعله لله ، قال الله يوم القيامة : قد كان العباد يكافئون فيما بينهم بالمعروف ، وأنا اكافيك اليوم بالجنّة » (٧) .
وعن الحسين بن عليّ ، وعن الصادق عليهمالسلام أنّهما كانا يتصدّقان بالسّكر ، ويقولان : « إنّه أحبّ الأشياء إلينا ، وقد قال الله تعالى : ﴿لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ﴾(٨) .
__________________
(١) تفسير الرازي ٨ : ١٣٤ ، تفسير روح البيان ٢ : ٦٣.
(٢) في النسخة : رائح.
(٣) مجمع البيان ٢ : ٧٩٢ ، تفسير الرازي ٨ : ١٣٤ ، تفسير روح البيان ٢ : ٦٣.
(٤) تفسير الرازي ٨ : ١٣٤.
(٥) في تفسير الرازي : كان يحبه وجعله.
(٦) تفسير الرازي ٨ : ١٣٤.
(٧) مجمع البيان ٣ : ٧٩٢.
(٨) تفسير الصافي ١ : ٣٢٨.