﴿كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلاًّ لِبَنِي إِسْرائِيلَ إِلاَّ ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ
تُنَزَّلَ التَّوْراةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٩٣)﴾
ثمّ عطف الله سبحانه كلامه المجيد إلى ما كان من محاجّة اليهود والنّصارى. وكان من شبهاتهم واعتراضاتهم على دين الإسلام [ أولا ] : وقوع النّسخ فيه ، مع كونه محالا على الله في أحكامه ؛ لرجوعه إلى البداء المستلزم لجهله تعالى بمصالح الأشياء ومفاسدها.
وثانيا : أنّ محمّدا يدّعي أنّ دينه دين إبراهيم ، والحال أنّه مغاير له ، حيث إنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله أحلّ في دين الإسلام لحوم الإبل وألبانها ، مع حرمتهما في دين إبراهيم ، فمن تحليلها يلزم النّسخ والمغايرة.
فردّ الله عليهم بقوله : ﴿كُلُّ الطَّعامِ﴾ وكافة المطعومات من المأكولات والمشروبات ﴿كانَ﴾ في دين إبراهيم ﴿حِلًّا﴾ ومباحا لجميع النّاس ، و﴿لِبَنِي إِسْرائِيلَ﴾ إلى مدّة بعد بعثة موسى بن عمران عليهالسلام.
نقل أنّه لمّا نزّل قوله تعالى : ﴿فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ﴾(١) الآية ، وقوله : ﴿وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ﴾ إلى قوله ﴿ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ﴾(٢) أنكر اليهود ، وغاظهم ذلك وبرأوا ساحتهم من الظّلم ، وجحدوا بما نطق به القرآن ، وقالوا : لسنا بأوّل من حرّمت عليه تلك المطعومات ، وما هو إلّا تحريم قديم ، كانت محرّمة على نوح وإبراهيم ومن بعده ، وهلّم جرّا حتّى انتهى التّحريم إلينا.
وغرضهم تكذيب شهادة الله عليهم بالبغي والظّلم ، والصّدّ عن سبيل الله ، وأكل الرّبا ، وما عدّد من مساوئهم التي كلّما ارتكبوا منها كبيرة ، حرّم عليهم نوعا من الطّيّبات عقوبة لهم (٣) .
فكذّبهم الله وردّهم بأنّ جميع ما يطعمه الإنسان كان حلالا في الأديان السّابقة على دين موسى ﴿إِلَّا ما حَرَّمَ﴾ يعقوب ، ولقبه ﴿إِسْرائِيلَ﴾ من لحم الإبل ولبنها ، بسبب النّذر ﴿عَلى نَفْسِهِ﴾ .
روي من طريق العامّة أنّ يعقوب عليهالسلام نذر إن وهب الله له اثني عشر ولدا ، وأتى بيت المقدس صحيحا ، أن يذبح آخرهم ، فتلقّاه ملك من الملائكة ، فقال له : يا يعقوب ، إنّك رجل قويّ ، فهل لك في الصّراع ؟ فعالجه فلم يصرع واحدا منهما صاحبه ، فغمزه الملك ، فعرض له عرق النساء من ذلك ، ثمّ قال الملك : أما إنّي لو شيئت أن أصرعك لفعلت ، ولكن غمزتك هذه الغمزة ؛ لأنّك كنت نذرت إن أتيت بيت المقدس صحيحا ذبحت آخر ولدك ، فجعل الله لك بهذه الغمزة مخرجا من ذلك الذّبح.
ثمّ أنّ يعقوب عليهالسلام لمّا قدم بيت المقدس ، أراد ذبح ولده ونسي قول الملك ، فأتاه الملك فقال : إنّما
__________________
(١) النساء : ٤ / ١٦٠.
(٢) الأنعام : ٦ / ١٤٦.
(٣) تفسير روح البيان ٢ : ٦٤.