غمزتك للمخرج ، وقد وفى نذرك ، فلا سبيل لك إلى ذبح ولدك.
ثمّ أنّه حين ابتلي بذلك المرض لقي من ذلك بلاء شديدا ، وكان لا ينام اللّيل من الوجع ، فحلف لئن شفاه الله ، لا يأكل أحبّ الطّعام إليه ، فحرّم لحوم الإبل وألبانها ، إمّا حمية للدّين ، أو حمية للنّفس (١).
وروي عن ابن عبّاس رضى الله عنه : أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله قال : « إنّ يعقوب مرض مرضا شديدا ، فنذر لئن عافاه الله ليحرّ من أحبّ الطّعام والشّراب عليه ، وكان أحبّ الطّعام إليه لحمان الإبل ، وأحبّ الشّراب إليه ألبانها » (٢) .
ونقل أنّ في التّوراة : أنّ يعقوب لمّا خرج من حرّان إلى كنعان ، بعث بريدا إلى عيص أخيه ، إلى أرض ساعير ، فانصرف الرّسول إليه وقال : إنّ عيص هو ذا يتلقّاك ومعه أربعمائة رجل ، فذعر يعقوب وحزن جدّا ، فصلّى ودعا ، وقدّم هدايا لأخيه ، [ وذكر القصّة ] إلى أن ذكر الملك الذي لقيه في صورة رجل ، فدنا ذلك الرّجل ووضع إصبعه على موضع عرق النسا ، فخدرت تلك العصبة وجفّت. فمن أجل هذا لا يأكل بنو إسرائيل العروق (٣) .
وقيل : إنّ في بعض الرّوايات : أنّ الذي حرّم يعقوب على نفسه زوائد الكبد والشّحم إلّا ما على الظّهر (٤) .
وعن ( الكافي ) : عن الصادق عليهالسلام : « أنّ إسرائيل كان إذا أكل لحم الإبل هيّج عليه وجع الخاصرة ، فحرّم على نفسه لحم الإبل. وهذا قبل أن تنزّل التّوراة » (٥) .
وعن القمّي رحمهالله : أن يعقوب كان يصيبه عرق النّسا ، فحرّم على نفسه لحم الجمل (٦) الخبر.
ومن الواضح أنّ هذا التّحريم كان ﴿مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ﴾ على بني إسرائيل ﴿التَّوْراةُ﴾ وقبل بعثة موسى وتشريع دينه.
وكانت تلك الأشياء حلالا على غير يعقوب ما دام بقاء دين إبراهيم وفي برهة بعد بعث موسى ، ثمّ حرّم الله عليهم طيّبات أحلّت لهم ، منها : لحم الإبل ، وشحم البقر والغنم إلّا ما حملت ظهورهما.
فإن ادّعت اليهود حرمة هذه الأشياء في دين نوح وإبراهيم وموسى ، فقد ادّعوا خلاف ما في التّوراة ، التي هم معترفون بصحّتها وصدق ما فيها ، وإن استندوا [ في ] دعواهم إلى التّوراة ﴿قُلْ﴾ لهم ﴿فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ﴾ وأحضروها على رؤوس الأشهاد ﴿فَاتْلُوها﴾ واقرأوها بمحضر منّا ﴿إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ﴾ في دعواكم قدمة هذه الأشياء ، فإنّها ناطقة بأنّ حرمتها حدثت في دين موسى عقوبة على
__________________
(١) تفسير روح البيان ٢ : ٦٤.
(٢) تفسير الرازي ٨ : ١٣٨.
(٣) تفسير الرازي ٨ : ١٣٩.
(٤) تفسير الرازي ٨ : ١٣٩.
(٥) الكافي ٥ : ٣٠٦ / ٩ ، تفسير الصافي ١ : ٣٢٩.
(٦) تفسير القمي ١ : ١٠٧ ، تفسير الصافي ١ : ٣٢٩.