ظلم بني إسرائيل.
روي أنّهم لم يجسروا على إحضار التّوراة ، فبهتوا وانقلبوا صاغرين (١) .
فثبت جواز النّسخ ، وموافقة دين الإسلام لدين إبراهيم ، واتّضح كذب اليهود ، وأنّهم نسبوا إلى التّوراة ما ليس فيها ، وظهر صدق النبيّ صلىاللهعليهوآله في دعوى النّبوّة ؛ لأنّ هذا الإخبار منه صلىاللهعليهوآله ، مع كونه امّيّا ، كان إخبارا بالغيب.
﴿فَمَنِ افْتَرى عَلَى اللهِ الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٩٤)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد إلزامهم وتبكيتهم ، هدّدهم بقوله : ﴿فَمَنِ افْتَرى﴾ واختلق ﴿عَلَى اللهِ الْكَذِبَ﴾ بقوله حرمة هذه الأشياء في دين إبراهيم ، ومن قبله ، ومن بعده ، ونسبته إلى إخبار الله به في التّوراة ﴿مِنْ بَعْدِ ذلِكَ﴾ التّبكيت والإلزام ﴿فَأُولئِكَ﴾ المجترئون على الله ، المفترون عليه ، ﴿هُمُ﴾ بالخصوص ﴿الظَّالِمُونَ﴾ على أنفسهم بالضّلال ، وتعريضها للهلاك والعذاب ، وتفضيحها للدّنيا والآخرة ، وعلى غيرهم بالإضلال ، وتقريبهم إلى النّار ، وتبعيدهم عن رحمة الله.
﴿قُلْ صَدَقَ اللهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٩٥)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد إثبات موافقة دين الإسلام لدين إبراهيم ، أمر نبيّه صلىاللهعليهوآله بتصديق الله في إخباره ، بموافقة دين الإسلام لدين إبراهيم ، بقوله : ﴿قُلْ﴾ يا محمّد ﴿صَدَقَ اللهُ﴾ في إخباره بحلّية لحوم الإبل وألبانها ، في دين إبراهيم ، وموافقته لدين الإسلام ، وكذبتم أيّها اليهود في دعوى حرمتها فيه ، ومخالفة دين الإسلام له ، إذن ﴿فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْراهِيمَ﴾ باتّباع دين الإسلام ، الموافق لها اصولا مطلقا ، وفروعا كذلك أو بحسب الغالب ، وانصرفوا عن اليهودية المخالفة لملّة إبراهيم ؛ لأنّ في دين اليهوديّة كثيرا من الأباطيل ، وكان إبراهيم ﴿حَنِيفاً﴾ ومائلا عن كلّ باطل ، ومعرضا عن كلّ زائغ ؛ ولأنّ في دين اليهوديّة والنّصرانيّة الإشراك بالله ﴿وَما كانَ﴾ إبراهيم محسوبا ﴿مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ بل كان من أفضل الموحّدين. فثبت أنّه عليهالسلام ما كان يهوديّا ولا نصرانيا.
﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَهُدىً لِلْعالَمِينَ * فِيهِ آياتٌ
بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ
__________________
(١) تفسير أبي السعود ٢ : ٥٩ ، تفسير روح البيان ٢ : ٦٥.