متى جاءت فكرة جمع الشيخين للقرآن :
وعلينا الآن أن نثير مسألة أخرى ـ تغافل عنها كتّاب تاريخ جمع القرآن ـ وهي عدم استبعاد أن تكون أخبار جمع الشيخين للقرآن جاءت في زمن متأخّر ، لأنّ الخلفاء الأمويّين والعبّاسيّين في الأزمنة المتأخّرة سعوا أن يعطوا لفكرة جمع وتوحيد القراءات بُعداً تاريخيّاً والقول بأنّ هذه الفكرة قديمة وقد سبقت عهد عثمان ، فهي قد كانت في عهد الشيخين أيضاً ، وبذلك تكون أراد أن يقولوا بأنّ فكرة توحيد المصاحف ليست بدعة عثمانية كما ينسب إليه أعداؤه!! كما يمكننا أن نقول أيضاً : أنّ عثمان كان وراء الاحتماء بالشيخين ـ في هذه المسألة وفي غيرها ـ دفاعاً عن نفسه.
فقد جاء في تاريخ المدينة : «عن عروة بن الزبير قال : قدم المصريّون فلقوا عثمان فقال : ما الذي تنقمون؟
قالوا : تمزيق المصاحف.
قال : إنّ الناس لمّا اختلفوا في القراءة ، خشي عمر الفتنة ، فقال : من أعرب الناس؟ فقالوا : سعيد بن العاص. قال : فمن أخطّهم؟ قالوا : زيد بن ثابت. فأمر بمصحف فكتب بإعراب سعيد وخطِّ زيد ، فجمع الناس ، ثمّ قرأه عليهم بالموسم!
فلمّا كان حديثاً [ويعني به في عهده وزمانه] كتب إليَّ حذيفة : إنّ الرجل يلقى الرجل فيقول : قرآني أفضل من قرآنك ، حتّى يكاد أحدهما يكفّر صاحبه ، فلمّا رأيت ذلك أمرت الناس بقراءة المصحف الذي كتبه