برأيي أنّ ما علّله عمر في أمر منع تدوين الحديث من التشبّه ببني إسرائيل ليس بواقعيّ ؛ لأنّه لا ينكر أحدٌ من المسلمين أنّ ترك القرآن والإنصراف إلى سواه منهيٌّ عنه ، وحرام شرعاً ، لكنّ الادّعاء بأنّ الاشتغال بغير القرآن يؤدّي إلى تركه خلط بَيِّن وكلام غير دقيق ؛ إذ من الثابت أنّ ما يؤدّي إلى ترك القرآن هو ما يكون منافياً له ، كالأخذ بالتوراة والإنجيل ، وما فيهما من العقائد والآراء ، وأمّا العناية بمفسِّر القرآن ومُبيّنه لقوله تعالى (لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ) وعدّه موجباً لترك القرآن وهجرانه فهو إيهام وخلط بين حقّ وباطل ... ذلك أنّ الإقبال على الحديث إقبال على القرآن الكريم في تفسيره والكشف عن مضامينه.
فقد يعود هذا التفكير إلى ما قلناه من عدم احترام عمر بن الخطّاب للرسول(صلى الله عليه وآله) أو عدم معرفته مكانته(صلى الله عليه وآله) أو عدم حبه ولاية عترة رسول الله على الأمّة.
مع تأكيدنا على أنّ النصّ القرآنيّ يمتاز عن النصّ الروائيّ من حيث الأسلوب والبلاغة بمزايا ثابتة ، فلا يمكن تصوّر اختلافه مع الحديث النبويّ ، إذ أنّ الأوّل قد صدر على نحو الإعجاز ، متحدّياً مشركي العرب ـ وهم أهل البراعة في البيان ـ أن يأتوا بمثله ، وقد تكرّرت هذه الدعوة في القرآن بأساليب مختلفة وألفاظ قارعة كقوله (قُلْ فَأْتُوا بِكِتَاب مِنْ عِندِ اللَّهِ هُوَ