«... وعلى هذه السياسة الرشيدة نزل القرآن على سبعة أحرف يصطفي ما شاء من لغات القبائل العربيّة ، على نمط سياسة القرشيّين بل أوْفق. ومن هنا صحَّ أن يقال : إنّه نزل بلغة قريش ، لأنّ لغات العرب جمعاء تمثّلت في لسان القرشيّين بهذا المعنى. وكانت هذه حكمة إلهية سامية ؛ فإنّ وحدة اللسان العامِّ من أهمِّ العوامل في وحدة الأمّة ، خصوصاً أوّل عهد بالتوثّب والنهوض.
ومنها بيان حكم من الأحكام ، كقوله سبحانه : (وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِد مِنْهُمَا السُّدُسُ)(١) قرأ سعد ابن أبي وقّاص (وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ مِنْ أُم) بزيادة لفظ منْ أُمٍّ ، فتبيّن بها أنّ المراد بالإخوة في هذا الحكم الإخوة للأم دون الأشقّاء ومنْ كانوا لأب ، وهذا أمرٌ مجمعٌ عليه.
ومثل ذلك قوله سبحانه في كفّارة اليمين : (فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَة)(٢) وجاء في قراءة : (أو تَحْرِيرُ رَقَبَة مُؤْمِنَة) بزيادة لفظ مُؤْمِنَة ، فتبيّن بها اشتراطُ الإيمان في الرقيق الذي يعتق كفّارة يمين. وهذا يؤيّد مذهب الشافعي ومن نحا نحوه في وجوب توافر ذلك الشرط.
ومنها الجمع بين حكمين مختلفين بمجموع القراءتين ، كقوله
__________________
(١) النساء : ١٢.
(٢) المائدة : ٨٩.