تعالى : (فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَـحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ)(١) قرئ بالتخفيف والتشديد في حرف الطاء من كلمة (يطهرنَ) ، ولا ريب أنَّ صيغة التشديد تفيد وجوب المبالغة في طهر النساء من الحيض ؛ لأنّ زيادة المبْنَى تدلُّ على زيادة المعنى.
أمّا قراءة التخفيف فلا تفيد هذه المبالغة. ومجموع القراءتين يحكم بأمرين : أحدهما أنّ الحائض لا يقربها زوجها حتّى يحصل أصل الطهر. وذلك بانقطاع الحيض. وثانيهما أنّها لا يقربها زوجها أيضاً إلاّ إن بالغتْ في الطهر ، وذلك بالاغتسال ، فلابدّ من الطهرين كليهما في جواز قربان النساء. وهو مذهب الشافعي ومن وافقه أيضاً.
ومنها الدلالة على حكمين شرعيّين ولكن في حالين مختلفين : كقوله تعالى في بيان الوضوء : (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ)(٢) قرئ بنصب لفظ (أَرْجُلَكُمْ)(٣) المنصوب ، وهو مغسول. والجرُّ يفيد طلب مسحها ؛ لأنّ العطف حينئذ يكون على لفظ (رُؤُوسِكُمْ)(٤) المجرور وهو ممسوح. وقد بيّن الرسول(صلى الله عليه وآله) أن المسح يكون للابس الخفِّ وأنَّ الغسل يجب على من لم
__________________
(١) البقرة : ٢٢٢.
(٢) المائدة : ٦.
(٣) المائدة : ٦. انظر كلامنا حول هذه الآية في البحث القرآني لكتابنا (وضوء النبيّ).
(٤) المائدة : ٦.