لقد طوى التفسير الشيعي (١) تأريخيّاً مراحل عديدة من مراحل تطوّره مثله مثل سائر العلوم الأخرى ، وأنّ وجود بعض الخصوصيّات في التفاسير الشيعية ومؤلّفيها صارت سبباً لتميّزها عن نظائرها من التفاسير السنّية والمعتزلية ، إلاّ أنّ هذه التفاسير كذلك لم تكن على سبك ونسق واحد عبر القرون المتمادية التي مرّت على تطوّر التفسير الشيعي ، حيث أنّ هناك العديد من العوامل التي ساهمت في إيجاد هذا الاختلاف في المنهجية وحتّى في محتوى التفسير على مدى ثلاثة عشر قرن الماضية ، إنّ الجوّ السياسي والاجتماعي لعصر المفسّر ، وانشداد المفسّر ورغبته لنوع من أنواع العلوم ، والعلاقة بين الأستاذ والتلميذ والتي كان لها الأثر الكبير على المفسّر ، وتوفّر المصادر السنّية والمذاهب الأخرى أو عدم توفّرها ، جميعها عوامل ساهمت في رسم معالم الإختلاف فيما بين التفاسير الشيعية ، ولابدّ لنا من الإشارة هنا إلى موضوعين أساسيّين لهما مدخلية في البين أحدهما : معرفة المفسّر للمتن والآخر : المخاطب من قبل ذلك التفسير في كلِّ حقبة ، بناءً على هذا لابدّ من القول أنّ الفارق بين المفسّرين وتفاسيرهم في كلّ حقبة أو مرحلة له صلة مباشرة بما يفهمه المفسّر من المتن ومدى معرفته به ، هذا من جانب ، ومن
__________________
(١) المراد من التفسير الشيعي في هذه المقالة هو ما يشمل جميع التفاسير المنسوبة إلى الطائفة الإثني عشرية فقط ، وإنّ ما ذكرناه في مواطن متعدّدة من هذه المقالة مثل تفسير فرات الكوفي ذو الطابع الزيدي إنّما هو استثناء ، وبناءً على هذا فإنّنا لم نبحث في سائر التفاسير الشيعية الزيدية والاسماعيلية منها مثل رسائل ابن سينا التفسيرية وغيرها.