إنّ التفاسير المدوّنة والمصنّفة منذ بداية القرن الثالث الهجري هي تفاسير أدبية ولغوية للقرآن مثل مجاز القرآن لأبي عبيدة ومعاني القرآن للكسائي ومعاني القرآن للفرّاء وتأويل مشكل القرآن لابن قتيبة ، إلاّ أنّ أولى التفاسير الروائية الشيعية لم تعتن بالمدوّنات التفسيرية لأهل السنّة التي كثيراً ما كانت تهتمّ بالجانب الأدبيّ والنحويّ واللغويّ (١) ، وإنّ الرعيل الأوّل من المفسّرين الشيعة صبّوا جلّ اهتمامهم في قبال أهل السنّة في باب التفسير الروائي وذلك فيما يخصّ موارد الاختلاف بينهم.
إنّ المفسّرين الشيعة كانوا يحرصون كلّ الحرص على جمع التراث التفسيري ـ الواقعي أو المنتسب ـ للأئمّة عليهمالسلام وذلك في القرون التي اشتدّت فيها المناظرات الكلامية بين الشيعة والسنّة ، ولم يقطن مؤلّفوا هذه التفاسير في بلاد أهل السنّة بل كان يقطن أغلبهم في مناطق شيعية مثل قم والكوفة وخراسان.
__________________
(١) تعدّ تأليفات الشريف الرضيّ في هذا المجال مثل (تلخيص البيان عن معجزات القرآن وتفسير حقائق التأويل) وكذلك (المصابيح في تفسير القرآن) للوزير المغربي من أوائل التفاسير الشيعية التي تناولت المباحث اللغوية والنحوية والأدبية للقرآن ، وإنّ هذا الأسلوب هو استمرار لطريقة تفسير الفرّاء وأبي عبيدة وابن قتيبة والزجّاج والنحّاس وبعض أدباء المعتزلة مثل ابن جنّي وأبي الحسن الرمّاني ، وقد سرى هذا الأسلوب إلى التفسير الشيعي وظهر فيه على نطاق واسع منذ زمن الشيخ الطوسي تزامناً مع تأليف تفسير التبيان ، وقد قام الشيخ الطبرسي بتنقيح وتثبيت هذا الأسلوب في تفسيره مجمع البيان معتمداً على الشعر الجاهلي وكلام أعراب البادية وأقوال اللغويّين والنحاة مثل الخليل وسيبويه والكسائي والأزهري وابن دريد ، وإنّ ذكر الوجوه المختلفة للقراءات والوجه الأدبي لكلِّ منها هو أحد خصائص هذا الأسلوب الذي يعدّ عمليّاً من ابتكارات الطريقة التفسيرية للشيخ الطوسي.