لقد ألّف الشيخ الطوسي أوّل تفسير كامل للقرآن من بين علماء الشيعة ، وقد قلّل في تفسيره من حجم الروايات المنقولة عن أئمّة الشيعة عليهمالسلام إلى حدٍّ ملفت للنظر ، وخاصّة الروايات الدالّة على تحريف القرآن أو مذمّة الخلفاء فقد حذفها بأسرها من تفسيره ، وإضافة إلى ذلك فإنّه كثيراً ما نقل من تفسير الطبري روايات الصحابة والتابعين ، كما زخر تفسيره بالآراء الكلامية للمعتزلة (١) وتطرّق إلى ردّها أو تأييدها ، وقد ضمّ كتابه كمّاً هائلا من المباحث الأدبية كالإعراب والاشتقاق واللغة والقراءات والشعر الجاهلي (٢) ، فيمكننا أن نقول : إنّ هذه المنهجية هي عبارة عن فكرة جامعة في تفسير القرآن اشتملت
__________________
(١) إنّ الشيخ الطوسي كثيراً ما كان يهتمّ بآراء المعتزلة من أمثال الرمّاني وأبي مسلم الأصفهاني وإلى حدّ ما أبي علي الجبائي ، وذلك لما كان يراه لديهم من سعة النطاق الفكري وحرّية الرأي والنقد ، وإن كان في بعض الأحيان ينتقد آراءهم تارةً أو يردّها ردّاً كلّياً تارة أخرى ، وأمّا آراء المعتزلة فإنّها كانت دائماً محلّ نقد وردّ الشيخ الطوسي ، ومن نماذج انتقاداته وردوده على المعتزلة هو نقده وردّه للشيخ أبي القاسم البلخي الفقيه والمتكلّم المعتزلي (انظر بعض هذا النقد في التبيان ١/١٢ ـ ١٣ ، ٣/٢٩٦ و ٤٠٩) في حين نرى البعض الآخر مثل القاضي عبد الجبّار وبالرغم من أهمّيته الفائقة وكلامه القيّم إلاّ أنّه يُترك ولا يُعتنى به (وللمزيد انظر مقالة كريمي نيا تحت عنوان منابع كلامي شيخ طوسي در تفسير تبيان ٥٢٠ ـ ٥٢٥) والجدير بالذكر أنّ القاضي عبد الجبّار الهمداني كان من أساتذة الشريف الرضي وإنّ الشريف الرضي كان كثيراً ما يطري عليه في تفسير حقائق التأويل وكذلك في المجازات النبوية وتلخيص البيان عن مجازات القرآن فإنّه رحمهالله كثيراً ما ينقل منه وغالباً ما كان يقبل آراءه (على سبيل المثال انظر حقائق التأويل : ٣٠ ، ٨٧ ، ٢٥٣ ، ٢٣١).
(٢) كريمي نيا ، التبيان في تفسير القرآن : ٤٦٧ ـ ٤٧١.