كانت حوزة النجف الأشرف ـ في دورها الثاني ـ هي الحوزة الرئيسية عند الشيعة.
يقول السيّد الشهيد محمّد باقر الصدر في معالمه : «إنّ مدرسة الأُستاذ الوحيد البهبهاني نشأت على مقربة من المركز الرئيسي للحوزة ـ وهو النجف ـ فكان قربها المكاني هذا من المركز سبباً لاستمرارها ومواصلة وجودها عبر طبقات متعاقبة من الأساتذة والتلامذة ... حتّى استطاعت أن تقفز بالعلم قفزة كبيرة وتعطيه ملامح عصر جديد»(١).
وسوف نقف على معالم هذا الدور المهم من أدوار حوزة كربلاء من خلال تراجم أعلامها في هذه الحقبة الزمنية ، وملامح الحركة العلمية فيها ، وأهمّ الآثار العلمية لهذه الحقبة ، ونبدأ أوّلاً بالشيخ يوسف البحراني ، باعتباره من أبرز العلماء الذين اتّخذوا من كربلاء موطناً لهم حيث أفاض على طلاّبها من علمه وفضله ، وأصبحت حوزة كربلاء في عصره تشدّ لها رحال أهل الفضل وعشّاق العلم.
وقبل الدخول إلى رحاب صاحب الحدائق ينبغي أن نشير إلى أنّ الشيخ البحراني يمثّل المدرسة الأخبارية في وجهها المعتدل(٢) ، وكانت حوزة كربلاء في القرن الثاني عشر تمثّل مركز تجمّع الأخباريّين ، إذ كانت قبلها
__________________
(١) المعالم الجديدة للأُصول : ٨٦.
(٢) تحدّثنا بالتفصيل عن المدرسة الأخبارية ومراحلها المختلفة وأبرز رموزها وأهمّ آثارهم العلمية في كتابنا تطوّر حركة الاجتهاد ، الفصل العاشر : ٤١٢ وما بعدها.