النّور (١) .
﴿أُولئِكَ﴾ المؤمنون المتّبعون ﴿هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ الفائزون بأعلى المقاصد من النّجاة من النّار والدّخول في الجنّة.
﴿قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ
وَالْأَرْضِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ يُحيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي
يُؤْمِنُ بِاللهِ وَكَلِماتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (١٥٨)﴾
ثمّ أنّه تعالى - بعد إثبات رسالة رسوله بالإخبار بوجود اسمه وصفاته في الكتب السماوية ، وبكون شريعته أكمل وأسهل من الشّرائع السّابقة ، وبيان أفضليّة تابعيه على سائر الامم ، والوعد بالفلاح على الإيمان به والعمل بكتابه - أمر نبيّه صلىاللهعليهوآله بإعلام النّاس هموم رسالته بقوله : ﴿قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ﴾ من العرب والعجم ، والأبيض والأحمر والأسود ﴿إِنِّي رَسُولُ اللهِ﴾ أرسلني ﴿إِلَيْكُمْ جَمِيعاً﴾
عن الحسن المجتبى عليهالسلام : « أنّه جاء نفر من اليهود إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله فقالوا : يا محمّد ، أنت الذي تزعم أنّك رسول الله ، وأنّك الذي يوحى إليك كما يوحى إلى موسى بن عمران ، فسكت النبيّ ساعة ثم قال : نعم ، أنا سيد ولد آدم ولا فخر ، وأنا خاتم النبيّين ، وإمام المتّقين ، ورسول ربّ العالمين. قالوا : إلى من ، إلى العرب ، أم إلى العجم ، أم إلينا ؟ فأنزل الله هذه الآية » (٢) .
ثمّ أمره الله تعالى بإظهار كمال معرفته به بالصّفات التي فيها دليل صحّة دعواه بقوله : ﴿الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ﴾ يعزّ من يشاء ويذل من يشاء ، ويعطي الملك من يشاء وينزعه ممّن يشاء ﴿لا إِلهَ إِلَّا هُوَ﴾ لا شريك له في الالوهيّة والربوبيّة حتّى يزاحمه في إنفاذ إرادته ، ولا ندّ له حتّى يقهره في سلطانه ، القادر الحيّ الذي ﴿يُحيِي﴾ الأموات ﴿وَيُمِيتُ﴾ الأحياء.
فإذا كان كذلك كان عليه إحياء القلوب بمعارفه ، وتربية الأرواح بالأمر بالعبادات وتهذيب الأخلاق ، كي يستعدّوا لقبول فيوضاته ، ولا يمكن ذلك إلّا بإرسال رسول يهديهم إلى الحقّ وما به الحياة الرّوحانيّة والكمالات المعنويّة ، وأنا ذلك الرّسول ﴿فَآمِنُوا بِاللهِ﴾ وبوحدانيّته ﴿وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِ﴾ ومرّ تفسيره (٣)﴿الَّذِي﴾ هو لكمال عقله وعلمه ﴿يُؤْمِنُ﴾ بشراشره (٤)﴿بِاللهِ وَكَلِماتِهِ﴾ التي أنزلت إليه وهي القرآن العظيم. وقيل : معجزاته الكثيرة ﴿وَاتَّبِعُوهُ﴾ في جميع أقواله وأفعاله ، وانقادوا
__________________
(١) تفسير الرازي ١٥ : ٢٥.
(٢) أمالي الصدوق : ٢٥٤ / ١ ، تفسير الصافي ٢ : ٢٤٣.
(٣) تقدم في الآية (١٥٧) من تفسير هذه السورة.
(٤) الشّراشر : الجسم بجملته.