لأوامره ونواهيه ﴿لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ إلى خير ، وتسعدون في الدّنيا والآخرة.
﴿وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (١٥٩)﴾
ثمّ بين سبحانه حسن اتّباع طائفة من بني إسرائيل لدين موسى عليهالسلام ترغيبا لامّة خاتم النبيّين صلىاللهعليهوآله في اتّباعه بقوله : ﴿وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ﴾ وجماعة مهتدون يتّبعون موسى عليهالسلام ، وهم مع اهتدائهم في أنفسهم ﴿يَهْدُونَ﴾ غيرهم من سائر النّاس ﴿بِالْحَقِ﴾ وبكتابه النّاطق به إلى الحقّ ، والدّين المرضيّ عند الله ﴿وَبِهِ يَعْدِلُونَ﴾ في الأحكام الجارية بينهم.
قيل : إنّ الأشهر بين المفسّرين أنّ هذه الامّة قوم من بني إسرائيل وراء الصّين بأقصى المشرق ، وذلك أنّ بني إسرائيل لمّا بالغوا في العتوّ والطّغيان بعد وفاة موسى عليهالسلام وخليفته يوشع حتى اجترأوا على قتل الأنبياء ، ووقع الهرج والمرج ، تبرّأ سبط منهم ممّا صنعوا واعتذروا ، وسألوا الله تعالى أن يفرّق بينهم وبين أولئك الطّاغين ، ففتح الله لهم - وهم في بيت المقدس - نفقا في الأرض ، وجعل أمامهم المصابيح فساروا ومعهم نهر من ماء يجري ، وأجرى الله عليهم أرزاقهم ، فساروا فيه على هذا الوجه سنة ونصف سنة حتّى خرجوا من وراء الصين [ إلى أرض ] بأقصى المشرق طاهرة طيبة فنزلوها ، وهم مختلطون بالسّباع والوحوش والهوام لا يضرّ بعضهم بعضا ، وهو متمسّكون بالتّوراة مشتاقون إلى الإسلام ، لا يعصون الله طرفة عين أبدا ، تصافحهم الملائكة ، وهم في منقطع من الأرض لا يصل إليهم أحد منّا ولا أحد منهم إلينا ؛ إمّا لأنّ بينهم وبين الصّين واديا جاريا من رمل يمنع النّاس من إتيانهم ، كما عن ابن عبّاس. أو نهرا من شهد ، كما عن السدّي. فانّهم كبني أب واحد ليس لاحد [ منهم ] مال دون صاحبه ، يمطرون باللّيل ويضحون (١) بالنّهار ، ويزرعون ويحصدون جميعا فيضعون الحاصل في أماكن من القرية ، فيأخذ كلّ منهم قدر حاجته ويدع الباقي (٢) .
روي أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله قال لجبرئيل ليلة المعراج : « إنّي أحبّ أن أرى القوم الّذين أثنى الله عليهم بقوله : ﴿وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ﴾ فقال : إن بينك وبينهم مسيرة ستّ سنين ذهابا ، وستّ سنين إيابا ، ولكن سل ربّك حتّى يأذن لك ، فدعا النبيّ صلىاللهعليهوآله وأمّن جبرئيل ، فأوحى الله تعالى إلى جبرئيل أنّه أجيب إلى ما سأل ، فركب البراق فخطا خطوات فإذا هو بين أظهر القوم ، فسلّم عليهم وردّوا عليه سلامه ، وسألوه : من أنت ؟ فقال : « أنا النبيّ الأمّي » ، قالوا : أنت الذي بشّر بك موسى
__________________
(١) ضحى يضحو : برز للشمس ، ضحى يضحى : أصابه حرّ الشمس.
(٢) تفسير روح البيان ٣ : ٢٥٩.