وأوصانا بأن قال لنا : من أدرك منكم أحمد فليقرى عليه منّي السّلام فرّد رسول الله عليه سلامة ، وقالوا : فمن معك ؟ قال : « أو ترون » ، قالوا : نعم ، قال : « هو جبرئيل » . قال : « فرأيت قبورهم على أبواب دورهم فقلت : فلم ذلك ؟ » قالوا : أجدر أن نذكر الموت صباحا ومساء ، فقال : « أرى بنيانكم مستويا ؟ » قالوا : ذلك لئلّا يشرف بعضنا على بعض ، ولئلّا يسدّ أحد على أحد الرّيح والهواء. قال : « فما لي لا أرى لكم قاضيا ولا سلطانا ؟ » قالوا : إذا أنصف بعضنا بعضا ، وأعطينا الحقّ فلم نحتج إلى قاض ينصف بيننا. قال : « فما لي أرى أسواقكم خالية ؟ » قالوا : نزرع جميعا ونحصد جميعا ، فيأخذ كلّ أحد منّا ما يكفيه ويدع الباقي لأخيه ، فلا نحتاج إلى مراجعة الأسواق. قال : « فما لي أرى هؤلاء القوم يضحكون ؟ » قالوا : مات لهم ميّت فيضحكون سرورا بما قبضه الله على التّوحيد. قال : « فما لهؤلاء القوم يبكون ؟ » قالوا : ولد لهم مولود ، [ فهم ] لا يدرون على أيّ دين يقبض فيغتمّون على ذلك.
قال : « فإذا ولد لكم ذكر ، فماذا تصنعون ؟ » قالوا : نصوم لله شكرا شهرا. « قال : فالانثى ؟ » قالوا : نصوم لله شكرا شهرين. قال : « ولم ؟ » قالوا : لأنّ موسى عليهالسلام أخبرنا أنّ الصبر على الانثى أعظم أجرا من الصّبر على الذّكر. قال : « أفتزنون ؟ » قالوا : وهل يفعل ذلك أحد ، لو فعل ذلك أحد حصبته السّماء ، وخسفت به الأرض من تحته. قال : « أفترابون ؟ » قالوا : إنّما يرابي من لا يؤمن برزق الله. قال : « أ فتمرضون ؟ » قالوا : لا نمرض ولا نذنب ، إنّما تذنب امّتك فيمرضون ليكون كفّارة لذنوبهم. قال : « هل في أرضكم سباع وهوام ؟ » قالوا : نعم ، تمر بنا ونمر بها ، ولا تؤذينا ولا نؤذيها. فعرض رسول الله صلىاللهعليهوآله شريعته والصلوات الخمس عليهم ، وعلّمهم الفاتحة وسورا من القرآن.
وعن الحدّادي : أقرأهم عشر سور من القرآن نزلت بمكة ، ولم يكن يومئذ نزلت فريضة غير الصلاة والزّكاة ، فأمرهم بالصلاة والزّكاة ، وأن يتركوا تحريم السّبت ويجمعوا ، وأمرهم أن يقيموا مكانهم. فهم اليوم هناك حنفاء مسلمون مستقبلون قبلتنا (١) .
أقول : هذا يؤيّد القول بأنّ قبلة النبيّ صلىاللهعليهوآله كانت قبل الهجرة هي الكعبة.
وعن الباقر عليهالسلام : « أنّ هذه الآية في قوم من وراء الصّين ، بينهم وبين الصّين واد جار من الرّمل ، لم يغيروا ولم يبدّلوا ، ليس لأحد منهم مال دون صاحبه ، يمطرون باللّيل ويضحون بالنهار ويزرعون ، لا يصل إليهم أحد منّا ولا منهم إلينا أحد ، وهم على الحقّ » (٢) .
قال في ( المجمع ) : وقيل : إنّ جبرئيل انطلق بالنبيّ صلىاللهعليهوآله ليلة المعراج إليهم ، فقرأ عليهم من القرآن عشر سور نزلت بمكة فآمنوا به وصدّقوه ، وأمرهم أن يقيموا مكانهم ويتركوا السّبت ، وأمرهم
__________________
(١) تفسير روح البيان ٣ : ٢٦٠.
(٢) مجمع البيان ٤ : ٧٥٢ ، تفسير الصافي ٢ : ٢٤٤.