لهؤلاء ، فإنّ حجّتهم قاطعة وألسنتهم ذلعة(١) ، ولولا قلّتهم وذلّهم لكان الدين لهم والحجاج لا يقهرهم ، ولا يقهرهم إلاّ السيف.
قال الرجل الكتابي الذي هداه الله إلى الإسلام : قلتُ للقاضي بعد خروج الرجل كيف توافقه في جميع ما قال وفيه إفساد دينكم.
قال القاضي : لقد جاء بما لا يستطيع أحدٌ ردّه إلاّ بتكذيب الله ورسوله ، وذلك كفرٌ ، ولا سمعتُ أقطع من حجّته ولا أظهر من دليله ، لأنّه ما أتى إلاّ بما دلّ عليه كتاب الله وسنّة رسوله المجمع عليهما وإنكار ذلك كفر.
قال الكتابي : إذا عرفت أنّ الحق معه فلم تخالفه في المذهب؟
قال : لأنّ مذهبه ضعيف لا دنيا فيه ، والناس على دين ملوكهم ، كما قال عمرو بن العاص لعبده وردان(٢) وقد استشاره في متابعة عليّ أو معاوية : فقال وردان : أمّا عليٌّ فعنده دين ولا دنيا معه ، وأمّا معاوية فعنده دنيا ولا دين معه ، فاختر لنفسك ، فانشد عمرو بن العاص يقول :
يا قاتل الله ورداناً وفطنته |
|
لقد أصاب الذي في القلب وردان |
__________________
(١) أي فصيحة بليغة طليقة ، انظر النهاية لابن الأثير ٢ / ١٦٥.
(٢) قال في الطبقات ٧ / ٥١١ ، وردان مولى عمرو بن العاص ، ويكنّى أبا عبيد الله ، وقد روى عنه أيضاً ، وبه سمّيت السوق التي بمصر سوق وردان ، وانظر تاريخ مدينة دمشق ٦٢ / ٤٢٩ الترجمة ٧٩٦٨.