المبحث الثاني : دور تلامذة الشيخ الطوسي ومدرسة النجف وبغداد في إرساء الحركة العلمية في الحلّة :
تعتبر الحوزة العلمية في الحلّة الوريث الشرعي لحوزتي بغداد وحوزة النجف الأشرف في دورها الأوّل ، حيث كانت المصبَّ لكلا الحوزتين ، وميراثهما العلمي انتقل إليها عن طريق علماء وفضلاء كلتا الحوزتين.
فبعد الأحداث والفتن التي حلّت ببغداد واستيلاء السلاجقة على الحكم في أواسط القرن الخامس تفرّق طلاّب العلم والعلماء في البلاد المجاورة بحثاً عن الأمن وحرّية التعليم ، وكانت الحلّة وجهة بعضهم ؛ لأنّها كانت خارجة عن قبضة السلاجقة ، وكان لأُمراء بني مَزيد السيطرة التامّة على هذه المنطقة حتّى قبل إعلان إمارتهم في سنة (٤٩٥ هـ). فمن المؤكّد أنَّ عدداً لا يستهان به من أُولئك العلماء قد هاجر إلى هذه المدينة والحاضرة العلمية الجديدة ، إلاّ أنّ المصادر التاريخية لا تسعفنا بشيء تفصيلي يذكر من المعلومات عن هذه الهجرة ، وإنّما هنالك شذرات من هنا وهناك لا تكوّن صورة واضحة المعالم.
وأمّا حوزة النجف الأشرف وطلاّبها فإنّها كانت الرافد الأكبر الذي صبَّ في حوزة الحلّة الفتية ، لأنّها كانت الأقرب جغرافيّاً ، والأقرب زمنيّاً إليها من حوزة بغداد التي تبتعد زمنيّاً عن حوزة الحلَّة لأكثر من قرن من الزمن ، «فكانت النجف أكثر علاقة بها ـ أي الحلّة ـ من غيرها ، وكان فيها يومئذ تلامذة الشيخ الطوسي الذي غادر بغداد سنة (٤٤٨ هـ) .. واستوطن النجف