الكلام»(١).
وقد ضمّت الأمالي إلى جانب التفسير علوماً أُخر من قبيل اللغة والشعر ، والنقد الأدبي ، زيادة على ما فيها من الأخبار النادرة والطرائف المستملحة في عرض شائق وأسلوب متين ينبئ عن مقدرة الرجل وحسن تأتّيه ، وأبرز ما تكشف عنه تلك الأخبار قدرته على التحرّي والتدقيق ، والإطلاع الواسع ، الذي ينمّ عن ثقافة موسوعيّة واضحة ، ونفس تأبى التعصّب ، ليّن من لهجتها صلات متشعّبة ، ودراسات تأخذ من كلّ فنّ بطرف في مقدرة موسوعية ، تبدو من خلالها طبيعة النهضة العلمية التي بلغتها بغداد في ذلك العصر ، وما اتّسمت به تلك النهضة من انفتاح على الرأي الآخر ، ونبذ التعصّب الذي هو صورة من صور الجهل ، واتّساع الفكر وشموليّته مع تمسّك بأصول الإعتقاد ، لا يبلغ حدّ التعصّب ، ولا يتضاءل حدّ الترخّص ، مع عدم تحيّز نحو الآخرين من حملة الآراء المختلفة.
وتلك نزعة ترتكز على أساس مكين من العلم والورع والإطّلاع ، يتيح القدرة على مقارعة الخصم بالحجّة الداحضة ، زيادةً على فهم لأسس الحوار الموضوعي ، وسبل الحجاج والمخاصمة ، ومحاكمة الآراء ، وصولاً إلى زبد المخاض والرأي الناضج الذي يفرض على الخصم احترامه وإن كنتَ وإيّاه على طرفي نقيض ، إن كان لديه قليل من الإنصاف والعلم.
__________________
(١) الأمالي ، المقدمة : ١/١٨.