المختار بعد لقائه فيه وجهاً لوجه فسمعه يقول : «أما وربّ البحار ، والنخيل والأشجار ، والمهامّة والقفار ، والملائكة الأبرار ، والمصطفين الأخيار ، لأقتلنّ كلّ جبّار بكلّ لدن خطّار ومهنّد بتّار في جموع من الأنصار ليسوا بميل أغمار ولا بعزل أشرار. حتّى إذا أقمت عمود الدين وزايلت شعب صدع المسلمين وشفيت غليل صدور المؤمنين وأدركت بثأر أولاد النبيّين ، لم يكبر عليّ زوال الدنيا ولم أحفل بالموت إذا أتى»(١) ، وهذه الكلمة أخذ يردّدها المختار مراراً وتكراراً ، وأشار إلى ذلك حميد بن مسلم فقال : «فكان إذا أتيناه وهو في السجن ردّد علينا هذا القول حتّى خرج منه قال وكان يتشجّع لأصحابه بعد ما خرج ابن صرد»(٢).
كانت زيارات حميد بن مسلم المتكرّرة للمختار في السجن قد لا تعطي موقفاً إيجابيّاً للرجل ؛ لأنّ المختار كان على علم بازدواجية شخصية حميد ودوره في واقعة كربلاء ، لكنّه لم يفصح عن ذلك لأنّه كان أحد المطلوبين له ، وإن لم يفصح له عن ذلك ؛ لأنّ موقفه بين أسوار السجن لم تسمح له بمحاولة استعداء الآخرين أو إثارتهم ضدّه ، وهو في هذا الموقف الذي لا يحسد عليه ، وقد علمنا موقف حميد السابق من إيغال قلوب التوّابين ضدّه.
الخطّ العام لمنهج ثورة المختار كان أمام أنظار حميد بن مسلم ولم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١) تاريخ الرسل والملوك ٤/٤٥٠.
(٢) المصدر نفسه ٤/٤٥١.