روي أنّ الرجال كانوا يضعون على رأس البئر حجرا لا يرفعه إلّا سبعة رجال أو عشرة أو أربعون ، فقام موسى فرفعه وحده (١) ، وسألهم دلوا فأعطوه دلوا لا ينزحها إلّا عشرة ، فاستسقى بها وحده ﴿فَسَقى لَهُما﴾ أغنامهما وأصدرهما.
القمي : فلمّا بلغ ماء مدين رأى بئرا يستسقي الناس منها لأغنامهم ودوابّهم ، فقعد ناحية ولم يكن أكل منذ ثلاثة أيام شيئا ، فنظر إلى جاريتين في ناحية ومعهما غنمات لا تدنوان من البئر ، فقال لهما : ما لكما لا تسقيان ؟ فقالتا ما حكى الله ، فرحمهما موسى عليهالسلام ودنا من البئر ، فقال لمن على البئر : أسقي لي دلوا ولكم دلوا ، وكان الدلو يمدّه عشرة رجال ، فاستقى وحده دلوا لمن على البئر ، ودلوا لبنتي شعيب وسقى أغنامهما (٢)﴿ثُمَّ تَوَلَّى﴾ وانصرف ﴿إِلَى الظِّلِ﴾ من شدة الحرّ وضعف الجوع ﴿فَقالَ﴾ يا ﴿رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ﴾ ولو كان قليلا ﴿فَقِيرٌ﴾ ومحتاج. عن الصادق عليهالسلام : « سأل الطعام » (٣) .
وفي ( النهج ) : « والله ما سأل الله عزوجل إلّا خبزا يأكله ؛ لأنّه كان يأكل بقلة الأرض ، ولقد كانت خضرة البقل ترى من شفيف صفاق بطنة لهزاله وتشدّب لحمه » (٤) .
وروي أنّه قال ذلك وهو محتاج إلى شقّ تمرة (٥) .
وعن العامة : لمّا كان موسى جائعا سأل من الله ما يأكل ، ولم يسأل من الناس ، ففطنت الجاريتان ، فلمّا رجعتا إلى أبيهما قبل الناس وأغنامهما قفلت ، قال لهما : ما أعجلكما ؟ قالتا وجدنا رجلا صالحا رحمنا فسقى لنا ، ثمّ تولى إلى الظلّ. فقال : ﴿رَبِ﴾ إلى آخره. فقال أبوهما : هذا رجل جائع. فقال لواحدة منهما : اذهبي فادعيه لنا (٦) .
القمي قال : فلمّا رجعت ابنتا شعيب إلى شعيب قال لهما : اسرعتما الرجوع ؟ فأخبرتاه بقصّة موسى ولم تعرفاه ، فقال شعيب لواحدة منهما : أذهبي إليه فادعيه لنجزيه أجر ما سقى لنا (٧) . ﴿فَجاءَتْهُ إِحْداهُما﴾ وهي الكبرى منهما اسمها صفورا ، أو صفورة ، أو صفرى ، واسم الصغرى صفيرا ، حال كونها ﴿تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ﴾ كما هو عادة الأبكار ، أو لكمال إيمانها وشرف عنصرها وكرامة نسبها ، ثمّ ﴿قالَتْ :﴾ أيّها الرجل ﴿إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ﴾ ويطلب حضورك عنده ﴿لِيَجْزِيَكَ﴾ ويعطيك ﴿أَجْرَ ما
__________________
(١) تفسير أبي السعود ٧ : ٨ ، تفسير روح البيان ٦ : ٣٩٥.
(٢) تفسير القمي ٢ : ١٣٧ ، تفسير الصافي ٤ : ٨٦.
(٣) الكافي ٦ : ٢٨٧ / ٥ ، تفسير الصافي ٤ : ٨٦.
(٤) نهج البلاغة : ٢٢٦ الخطبة ١٦٠ ، تفسير الصافي ٤ : ٨٦.
(٥) كمال الدين : ١٥٠ / ١٣ ، تفسير الصافي ٤ : ٨٦.
(٦) تفسير الرازي ٢٤ : ٢٤٠ ، تفسير أبي السعود ٧ : ٩.
(٧) تفسير القمي ٢ : ١٣٨ ، تفسير الصافي ٤ : ٨٦.