شعيب عليهالسلام فمسّها وكان مكفوفا ، فلم يرضها له خوفا من أن لا يكون أهلا لها (١) ، وقال : غيرها ، فلا يقع في يده إلّا هي سبع مرات ، فعلم أنّ لموسى شانا ، وحين خرج للرعي قال له شعيب : إذا بلغت مفرق الطّرق فلا تأخذ عن يمينك ، فانّ الكلأ بها أكثر ، إلّا أن فيها تنينا (٢) أخشى منه عليك وعلى الغنم ، فأخذت الغنم ذات اليمين ، ولم يقدر على كفّها ، ومشى على أثرها ، فاذا عشب وريف لم ير مثله ، فنام فاذا بالتنّين قد أقبل ، فحاربته العصا حتى قتلته ، وعادت إلى جنب موسى دامية ، فلمّا أبصرها دامية والتنّين مقتولا سرّ (٣) ، ولمّا رجع إلى شعيب أخبره بالشأن ، ففرح شعيب وعلم أن لموسى شأنا ، وقال : إنّي وهبت [ لك ] من نتاج غنمي هذا العام كلّ أدرع (٤) ودرعاء ، فأوحى الله إليه في المنام : أن اضرب بعصاك الماء الذي هو في مستسقى الأغنام ففعل ، ثمّ سقى ، فما أخطأت واحدة إلّا وضعت أدرع ودرعاء ، فعلم شعيب أنّ ذلك رزق ساقه الله إلى موسى وامرأته ، فوفّى له بالشرط ، وسلّم إليه الأغنام (٥) .
﴿فَلَمَّا قَضى﴾ وأتمّ ﴿مُوسَى﴾ ذلك ﴿الْأَجَلَ﴾ المشروط بينهما ، وفرغ من خدمة عشر سنين عزم على الرجوع إلى مصر.
قيل : فبكى شعيب ، وقال : يا موسى ، كيف تخرج عني وقد ضعفت وكبرت ؟ فقال له : قد طالت غيبتي عن امّي وخالتي وأخي هارون واختي في مملكة فرعون. فقام شعيب وبسط يده وقال : يا ربّ بحرمة إبراهيم الخليل ، وإسماعيل الذبيح ، وإسحاق الصفيّ ، ويعقوب الكظيم ، ويوسف الصدّيق ، ردّ قوّتي وبصري ، فأمّن موسى على دعائه ، فردّ الله عليه بصره وقوّته. ثمّ أوصاه بابنته (٦) .
وفي حديث القمي : أنّه قال لشعيب : لا بدّ لي أن أرجع إلى وطني وامّي ، فما لي عندك ؟ فقال شعيب : ما وضعت أغنامي في هذه السنة من غنم أبلق فهو لك فعمد موسى عند ما أراد أن يرسل الفحل على الغنم إلى عصاه فقشر منه بعضه وترك بعضه ، وغرزه في وسط مربض الغنم ، وألقى عليه كساء أبلق ، ثمّ أرسل الفحل على الغنم ، فلم تضع الغنم في تلك السنة إلّا بلقا ، فلمّا جاء عليه الحول حمل موسى امرأته ، وزوّده شعيب من عنده ، وساق غنمه ، فلمّا أراد الخروج قال لشعيب : آتني عصا تكون معي ، وكانت عصيّ الأنبياء عنده قد ورثها مجموعة في بيت ، فقال له شعيب : ادخل هذا البيت وخذ عصا من بين العصيّ ، فدخل فوثبت إليه عصا نوح وإبراهيم ، وصارت في كفّه ، فأخرجها ، فنظر
__________________
(١) في النسخة : أهلها.
(٢) التنّين : حيوان اسطوري يجمع بين الزواحف والطير ، ويقال : له مخالب أسد وأجنحة نسر ، وذنب أفعى.
(٣) في النسخة : شكر.
(٤) الأدرع : ما سود رأسه وبيض سائره.
(٥) تفسير روح البيان ٦ : ٣٩٩.
(٦) تفسير روح البيان ٦ : ٤٠٠.