إليها شعيب ، فقال : ردّها وخذ غيرها ، فوثبت إليه تلك بعينها فردّها ، حتى فعل ذلك ثلاث مرات ، فلمّا رأى شعيب ذلك ، قال له : اذهب ، فقد خصّك الله عزوجل بها (١) . فأخذ العصا ﴿وَسارَ﴾ موسى ﴿بِأَهْلِهِ﴾ وزوجته صفوراء وولده بإذن شعيب إلى مصر ، فانحرف من خوف ملوك الشام عن الطريق ، وأخذ في السير بالبادية حتى جنّهم الليل ، واشتدّ البرد ، وانقلب الهواء ، وأخطأ الطريق (٢) ، وجاءت الرياح العاصفة ، وتفرّقت أغنامه ، وأخذ زوجته الطلّق وهي حامل ، إذن ﴿آنَسَ﴾ ورأى ﴿مِنْ جانِبِ﴾ جبل ﴿الطُّورِ﴾ ومن الجهة التي تليه ﴿ناراً﴾ ذات اشتغال ﴿قالَ لِأَهْلِهِ﴾ والمتعلّقين به : ﴿امْكُثُوا﴾ وقفوا هنا ﴿إِنِّي آنَسْتُ﴾ ورأيت من البعيد ﴿ناراً﴾ وأنا أذهب وحدي إليها ﴿لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها﴾ وممنّ حولها ﴿بِخَبَرٍ﴾ ودلالة على الطريق ﴿أَوْ جَذْوَةٍ﴾ وقطعة أوعود غليظ في رأسه شيء ﴿مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ﴾ وبحرارتها تدفأون.
وعن الباقر عليهالسلام : « سار بأهله نحو بيت المقدس فأخطأ الطريق ليلا ، فرأى نارا قال لأهله : ﴿امْكُثُوا﴾ الآية » (٣) .
﴿فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ
يا مُوسى إِنِّي أَنَا اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ * وَأَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ
وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يا مُوسى أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ (٣٠) و (٣١)﴾
فترك أهله في البريّة وذهب في طلب النار ﴿فَلَمَّا أَتاها﴾ وبلغ عندها ﴿نُودِيَ﴾ وخوطب بصوت عال ﴿مِنْ شاطِئِ﴾ وشفير ﴿الْوادِ﴾ الذي في الجانب ﴿الْأَيْمَنِ﴾ من موسى ﴿فِي﴾ البقعة والقطعة ﴿الْمُبارَكَةِ﴾ الكثيرة الخير من الأرض ، وكان النداء ﴿مِنَ الشَّجَرَةِ﴾ الزيتونة ، أو السدرة ، أو السّمرة ، أو العنّاب ، أو العوسج.
وفي الحديث : « أنّها شجرة اليهود ولا تنطق » (٤) .
قيل في تفسيره : إذا نزل عيسى وقتل اليهود ، فلا يختفى أحد منهم تحت شجرة إلّا نطقت ، وقالت يا مسلم ، هذا يهوديّ فاقتله إلّا شجر الغرقد (٥) ، فانّه لا ينطق (٦) .
وكان أوّل كلامه تعالى : ﴿أَنْ يا مُوسى إِنِّي أَنَا اللهُ﴾ الذي اناديك وأدعوك باسمك ، وأنا ﴿رَبُّ الْعالَمِينَ* وَأَنْ أَلْقِ عَصاكَ﴾ من يدك على الأرض ، فألقاها بلا ريث ، فصارت ثعبانا ﴿فَلَمَّا رَآها
__________________
(١) تفسير القمي ٢ : ١٣٩ ، تفسير الصافي ٤ : ٨٨.
(٢) في النسخة : عن الطريق.
(٣) مجمع البيان ٧ : ٣٩١ ، تفسير الصافي ٤ : ٨٩.
(٤) تفسير روح البيان ٦ : ٤٠١.
(٥) الغرقد : شجر عظام ، وقيل هي العوسج إذا عظم.
(٦) تفسير روح البيان ٦ : ٤٠١.