تَهْتَزُّ﴾ وتتحرّك بسرعة ﴿كَأَنَّها جَانٌ﴾ وحيّة صغيرة في سرعة السير ﴿وَلَّى﴾ ورجع ﴿مُدْبِراً﴾ له من شدّة الخوف ، وفرّ إلى الجهة التي جاء منها ﴿وَلَمْ يُعَقِّبْ﴾ ولم يلو رأسه إلى خلفه.
قيل : إنّها لم تدع شجرة ولا صخرة إلّا ابتلعها حتى سمع موسى صرير أسنانها ، وسمع قعقعة الصخر في جوفها ، فحينئذ ولّى مدبرا (١) ، فنودي : ﴿يا مُوسى أَقْبِلْ﴾ وارجع إلى مكانك الذي كنت فيه من الطور ﴿وَلا تَخَفْ﴾ من هذا الثعبان ﴿إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ﴾ من جميع المخاوف فاطمأنّ قلبه الشريف ، ومدّ يده إلى الثعبان ، فأخذه وجرّه إلى نفسه ، فصار عصا.
﴿اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ مِنَ
الرَّهْبِ فَذانِكَ بُرْهانانِ مِنْ رَبِّكَ إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ *
قالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ * وَأَخِي هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ
مِنِّي لِساناً فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ * قالَ سَنَشُدُّ
عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُما بِآياتِنا أَنْتُما وَمَنِ
اتَّبَعَكُمَا الْغالِبُونَ (٣٢) و (٣٥)﴾
ثمّ نودي أن ﴿أَسْئَلَكَ﴾ وادخل ﴿يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ﴾ منه حال كونها ﴿بَيْضاءَ﴾ مشرقة ﴿مِنْ غَيْرِ سُوءٍ﴾ وعيب وبرص ﴿وَاضْمُمْ﴾ واجمع ﴿إِلَيْكَ جَناحَكَ﴾ ويديك بإدخال إحداهما تحت الاخرى ، أو بادخالهما في جيبك ، أو بوضعهما إلى صدرك حتى تسكن ﴿مِنَ الرَّهْبِ﴾ والخوف.
قيل : إنّه من معاينة الثعبان فزع واضطرب ، فاتّقاه بيده ، كما يفعل الخائف من الشيء ، فقال تعالى له : ما فعلته فيه غضاضة عند العدوّ ، فاذا رأيت الثعبان أدخل يدك (٢) تحت إبطيك (٣) ، ثمّ أخرجها (٤) بيضاء ، لتظهر لك معجزتان ﴿فَذانِكَ﴾ الأمران من انقلاب العصا ثعبانا واليد البيضاء ﴿بُرْهانانِ﴾ وحجّتان نيّرتان ﴿مِنْ﴾ قبل ﴿رَبِّكَ﴾ على صدق رسالتك ﴿إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ﴾ أو مرسلان أو منتهيان إليهم ﴿إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ﴾ وخارجين عن الحدّ في الظلم والطّغيان ﴿قالَ﴾ موسى ﴿رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ﴾ قصاصا ﴿وَأَخِي هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ﴾ وأطلق ﴿مِنِّي لِساناً﴾ وأبين منطقا ﴿فَأَرْسِلْهُ﴾ وأشركه ﴿مَعِي﴾ في الدعوة ليكون ﴿رِدْءاً﴾ وعونا لي ﴿يُصَدِّقُنِي﴾ ويساعدني في تقرير الحجّة وإبطال شبهه القوم ﴿إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ﴾ في دعوى رسالتي ، ولا يطاوعني
__________________
(١) تفسير الرازي ٢٤ : ٢٤٦.
(٢) في النسخة : يديك.
(٣) تفسير الرازي ٢٤ : ٢٤٧.
(٤) في النسخة : اخرجهما.