لساني في إلزامهم بحجّتي. ﴿قالَ﴾ تعالى إجابة له : ﴿سَنَشُدُّ﴾ وسنحكم ﴿عَضُدَكَ﴾ ونقوّي قلبك ﴿بِأَخِيكَ﴾ هارون ﴿وَنَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً﴾ واستيلاء على معارضيكما.
عن الصادق عليهالسلام « هيبته في قلوب الأعداء ، وحجتّه في قلوب الاولياء » (١).
﴿فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُما﴾ بقتل وإساءة ، أو باستيلاء ومحاجّة ، وتكون سلطنتكما ، وعدم وصوله إليكما ﴿بِآياتِنا﴾ والمعجزات التي أعطيناكما ﴿أَنْتُما وَمَنِ﴾ آمن بكما و﴿اتَّبَعَكُمَا﴾ في دينكما هم ﴿الْغالِبُونَ﴾ على فرعون وقومه بالحجّة أولا وبالدولة آخرا.
قيل : لمّا تمت مناجات موسى ربه ذهب من مكانه إلى مصر ، ولم يرجع إلى أهله ، فبقي أهله وأولاده وأغنامه في الوادي بين مصر ومدين ثلاثين يوما حتى مرّ بهم راع من أهل مدين ، فعرف بنت شعيب ، وهي باكية حزينة من الوحدة وفراق موسى فسألها عن حالها ، فردّهم إلى مدين (٢) .
وقيل : إنّه رجع إليهم في تلك الليلة فسألته امراته ، وقالت : هل أتيت بالنار ؟ قال : جئت بالنور حيث أعطاني الله الرسالة. ثمّ توجّه هو بأهله إلى مصر ، فوصلوا إلى باب البلد أول الليل ، وجاء إلى باب بيت أبيه ، وفيه امّه واخته وأخوه هارون ، وكانوا يأكلون العشاء فقال : يا أهل البيت ، أنا غريب لا مأوى لي في بلدكم ، فهل تأذنون لي أن أبيت في داركم هذه الليلة ؟ فقالت امّه لهارون : ائذن له حتى يستريح هذه الليلة ، لعلّ الله أن يرحم بذلك ابني (٣) موسى ، فأدخله هارون ، ووضع عنده الطعام ، وكانوا لا يعرفونه ، فلمّا اشتغل معهم بالكلام عرفته امّه ، وضمّته إلى صدرها وبكت ، ثمّ قال لهارون : إنّ الله اصطفاني بالرسالة ، وجعلك لي ردءا ، وأمرنا أن نذهب إلى فرعون وندعوه إلى طاعة الله ، فقال هارون : سمعا وطاعة ، فقالت امّهما : أخاف أن يقتلكما ، فانّه طاغ جبار. قال موسى : إنّ الله أمرنا بذلك ، وهو يحفظنا ، فجاءا في تلك الساعة ، أو في اليوم الثاني إلى باب فرعون ، وقالا للبوّابين : استاذنوا لنا بالدخول على فرعون ، فإنا رسول الله إليه وإلى قومه ، فاستأذنوا ، فلم يأذن إلى سنة (٤) .
﴿فَلَمَّا جاءَهُمْ مُوسى بِآياتِنا بَيِّناتٍ قالُوا ما هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُفْتَرىً وَما سَمِعْنا
بِهذا فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ * وَقالَ مُوسى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جاءَ بِالْهُدى مِنْ عِنْدِهِ
وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ * وَقالَ فِرْعَوْنُ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ
ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي (٣٦) و (٣٨)﴾
__________________
(١) تفسير روح البيان ٦ : ٤٠٤.
(٢) تفسير روح البيان ٦ : ٤٠٥.
(٣) في النسخة : على ابني.
(٤) تفسير روح البيان ٦ : ٤٠٥.