فلا بدّ من كون إخبارك بها عن الوحي.
﴿وَلكِنَّا أَنْشَأْنا قُرُوناً فَتَطاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ وَما كُنْتَ ثاوِياً فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُوا
عَلَيْهِمْ آياتِنا وَلكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ * وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ إِذْ نادَيْنا وَلكِنْ
رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ
يَتَذَكَّرُونَ (٤٥) و (٤٦)﴾
ثمّ قرّر ذلك بقوله : ﴿وَلكِنَّا أَنْشَأْنا﴾ وخلقنا ﴿قُرُوناً﴾ كثيرة بعد موسى إلى زمانك ﴿فَتَطاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ﴾ وتمادت عليهم مدد حياتهم ، فتغيرت الشرائع ، وحرّقت الكتب ، واندرست العلوم ، وعميت الأنباء ﴿وَما كُنْتَ ثاوِياً﴾ ومقيما ﴿فِي أَهْلِ مَدْيَنَ﴾ كما كان شعيب وموسى مقيمين فيهم ﴿تَتْلُوا﴾ وتقرأ ﴿عَلَيْهِمُ﴾ وتتعلّم منهم ، أو أنت تتلو على أهل مكة ﴿آياتِنا﴾ الدالة على قصصهم وما جرى بين موسى وشعيب ﴿وَلكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ﴾ إيّاك وموحين إليك تلك الآيات ونظائرها لتكون معجزة لك وعبرة لقومك ﴿وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ﴾ الايمن ﴿إِذْ نادَيْنا﴾ موسى إنّي أنا الله ربّ العالمين ﴿وَلكِنْ﴾ أرسلناك بالقرآن الذي فيه جميع العلوم وكثير من المغيبات ليكون ﴿رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ﴾ وتفضّلا عليك وعلى امّتك و﴿لِتُنْذِرَ﴾ به ﴿قَوْماً﴾ وامّيين ﴿ما أَتاهُمْ﴾ وما أرسل فيهم أحد ﴿مِنْ نَذِيرٍ﴾ ورسول منهم ﴿مِنْ قَبْلِكَ﴾ مع تمامية الحجة عليهم ببعث الأنبياء الكثيرة في بني إسرائيل وغيرهم من الامم.
قيل : إنّه كانت حجج الأنبياء قائمة عليهم ، ولكن ما بعث إليهم من تجدّد تلك الحجج عليهم (١) ، فبعث نبينا فيهم لذلك ﴿لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾ ويتنبّهون ويتعّظون ، أو يهتدون إلى الحقّ.
عن النبي صلىاللهعليهوآله في قوله : ﴿وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ إِذْ نادَيْنا﴾ قال : « كتب الله كتابا قبل أن يخلق الخلق بألفي عام ، ثمّ وضعه على العرش ثمّ نادى : يا امّة محمّد ، إنّ رحمتي سبقت غضبي ، أعطيتكم قبل أن تسألوني ، وغفرت لكم قبل أن تستغفروني ، من يلقيني منكم بشهادة أن لا إله إلا الله وأنّ محمدا عبده ورسوله ، أدخلته الجنّة » (٢) .
وعن ابن عباس : يعني إذ نادينا امّتك في اصلاب آبائهم : يا امّة محمد ، أجبتكم قبل أن تدعوني ، وأعطيتكم قبل أن تسألوني ، وغفرت لكم قبل أن تستغفروني ، وإنّما قال الله ذلك حين أختيار موسى
__________________
(١) تفسير الرازي ٢٤ : ٢٥٨.
(٢) تفسير الرازي ٢٤ : ٢٥٧ ، تفسير روح البيان ٦ : ٤١٠.