وعن النبيّ صلىاللهعليهوآله : « اتبع السيئة الحسنة تمحها » (١) .
ومن الطاعة المالية بقوله : ﴿وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ﴾ وأعطيناهم من الاموال ﴿يُنْفِقُونَ﴾ في سبيل الله ومن الأخلاق الحميدة بقوله : ﴿وَإِذا سَمِعُوا﴾ من الأعداء والجهّال الكلام ﴿اللَّغْوَ﴾ والباطل ﴿أَعْرَضُوا عَنْهُ﴾ وسكتوا ومرّوا.
قيل : لمّا أسلموا لعنهم أبو جهل ، وشتمهم المشركون ، فسكتوا ولم يخوضوا فيه (٢) .
والقمي قال : اللغو الكذب (٣) .
﴿وَقالُوا﴾ إن تكلّموا في جوابهم : يا قوم ﴿لَنا أَعْمالُنا﴾ من الايمان والحلم والصّفح ونحوها ﴿وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ﴾ من الكفر والطغيان والعناد مع الحقّ ، والتكلّم باللغو والسّفاهة ﴿سَلامٌ عَلَيْكُمْ﴾ ونودّعكم ونترككم ﴿لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ﴾ ولا نطلب صحبتهم ومخالطتهم ، أو لا نجازي (٤) جهلهم بالجهل وباطلهم بالباطل.
﴿إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ
بِالْمُهْتَدِينَ (٥٦)﴾
ثمّ لمّا ذكر سبحانه هداية جمع من أهل الكتاب ، نبّه على أنّ الهداية لا تكون إلّا بتوفيقه بقوله : ﴿إِنَّكَ﴾ يا محمّد ﴿لا تَهْدِي﴾ هداية موصلة إلى الجنّة والخير أبدا أحدا حتى ﴿مَنْ أَحْبَبْتَ﴾ هدايته من الناس ، واشتقت إلى إيمانه غاية الاشتياق ، وبذلت في إدخاله في الاسلام نهاية الجهد ﴿وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي﴾ بتوفيقه وعناياته الخاصة إلى الحقّ وقبول الاسلام ﴿مَنْ يَشاءُ﴾ هدايته بمقتضى استعداده وطيب طينته وقوّة عقله ﴿وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ وأخبر بحال المستبعدين لنيل فيوضاته ، أو هو المختصّ بعلم الغيب ، فيعلم من يهتدي بعد ومن لا يهتدي.
قال بعض العامة : الجمهور على أنّ الآية نزلت في أبي طالب عمّ الرسول (٥) ، ونقل الفخر عن الزجّاج إجماع المسلمين على ذلك ، قال : وذلك أنّ أبا طالب قال عند موته : يا معشر بني عبد مناف ، أطيعوا محمّدا وصدّقوه تفلحوا وترشدوا. فقال النبي صلىاللهعليهوآله: يا عمّ ، تأمرهم بالنّصح لأنفسهم وتدعه لنفسك ؟ قال : فما تريد يا ابن أخي ؟ قال : اريد منك كلمة واحدة ، فإنّك في آخر يوم من أيام الدنيا ؛ أن تقول لا إله إلّا الله ، أشهد لك بها عند الله تعالى قال : يابن أخي ، قد علمت أنّك صادق ، ولكنيّ أكره أن
__________________
(١) تفسير البيضاوي ٢ : ١٩٦ ، تفسير أبي السعود ٧ : ١٩ ، وفي النسخة : اتبع الحسنة السيئة تمحها.
(٢) تفسير الرازي ٢٤ : ٢٦٢.
(٣) تفسير القمي ٢ : ١٤٢ ، تفسير الصافي ٤ : ٩٥.
(٤) في النسخة : لا نجازهم.
(٥) تفسير روح البيان ٦ : ٤١٥.