يقال جزع عند الموت ، ولو لا أن يكون عليك وعلى بني عمّك غضاضة ومسبّة بعدي لقلتها ، ولأقررت بها عينيك عند الفراق ، لما أرى من شدّة وجدك ونصحك ، ولكنّي سوف أموت على ملّة الأشياخ : عبد المطلب ، وهاشم ، وعبد مناف (١).
أقول : الرواية من صدرها إلى ذيلها صريحة في إسلام أبي طالب وتصديقه رسالة النبيّ صلىاللهعليهوآله في ما جاء به من التوحيد والدين خصوصا قوله : ولكنّي أموت على ملّة الأشياخ.
وقد روى الأصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين أنّه قال : « والله ما عبد أبي وجدّي عبد المطّلب ولا هاشم ولا عبد مناف صنما قطّ » (٢) ، وإنّما لن يعلن أبو طالب بالشهادة لما رأى من المفسدة في الإعلان بها ، لوضوح أن العذر المذكور مانع من الإجهار لا من الإسرار ، مع أنّه لا يمكن للعاقل أن يكفّ نفسه عن الايمان للوجه الذي نقلوه عنه مع العلم بصدق النبيّ صلىاللهعليهوآله فيما أخبر به من العذاب الشديد الأبدي على الشرك ، وغاية شوقه إلى سرور قلب النبي صلىاللهعليهوآله ، وقد تواترت الأخبار عن الأئمّة الأطهار عليهمالسلام بإيمانه وإسلامه قبل كلّ أحد.
القمي قال : نزلت في أبي طالب ، قال : كان رسول الله صلىاللهعليهوآله يقول : يا عمّ قل لا إله إلّا الله أنفعك بها يوم القيامة. فيقول : يابن أخي ، أنا أعلم بنفسي ، فلمّا مات شهد العباس بن عبد المطلب عند رسول الله أنّه تكلم بها عند الموت. فقال رسول الله : « أما أنّا فلم أسمعها منه ، وأرجو أن أنفعه يوم القيامة » . وقال : « لو قمت المقام المحمود لشفعت في امّي وأبي وعمّي وأخ كان لي في الجاهلية » (٣) .
أقول : هذه الرواية أيضا مخالفة لما عندنا من أنّ آباء الأئمة عليهمالسلام كانوا كآباء النبيّ صلىاللهعليهوآله موحّدين مسلمين من أول بلوغهم ، مع أنّ إقراره في ابتداء النبوة بالتوحيد سرا عند النبيّ صلىاللهعليهوآله لم يكن فيه مفسدة ، فكيف يقول النبيّ صلىاللهعليهوآله : « أنا لم أسمعها منه ؟ ».
عن الصادق عليهالسلام : أنّ مثل أبي طالب مثل أصحاب الكهف ، أسرّوا الايمان ، وأظهروا الشرك ، فآتاهم الله أجرهم مرّتين (٤) .
وعنه عليهالسلام : قيل له : إنّهم يزعمون أنّ أبا طالب كان كافرا ؟ فقال : كذبوا ، كيف يكون كافرا وهو يقول :
ألم يعلموا أنّا وجدنا محمّدا |
|
نبيّا كموسى خطّ في أوّل الكتب |
وفي رواية اخرى ، قال : كيف يكون أبو طالب كافرا وهو يقول :
__________________
(١) تفسير الرازي ٢٥ : ٢.
(٢) كمال الدين : ١٧٤ / ٣٢.
(٣) تفسير القمي ٢ : ١٤٢ ، تفسير الصافي ٤ : ٩٥.
(٤) الكافي ١ : ٣٧٣ / ٢٨ ، تفسير الصافي ٤ : ٩٥.