ان يقال : أنه تعالى كلم موسى عليهالسلام ولم يكلم غيره ، أو كلم في الوقت الفلاني ، ولم يكلم في وقت آخر ، وهكذا. ولا يصح ان يقال أنه تعالى ليس عالماً بالشيء فلاني ، أو في الوقت الفلاني. فما ذكره الأشاعرة من ان التكلم صفة له تعالى ، وكل صفة له قديم نشأ من الخلط بين الصفات الذاتيّة والصفات الفعلية.
(الثاني) ان كل كلام صادر من المتكلم بإرادته واختياره مسبوق بتصوره في أفق النّفس على الشكل الصادر منه ، ولا سيما إذا كان للمتكلم عناية خاصة به ، كما إذا كان في مقام إلقاء خطابه ، أو شعر ، أو نحو ذلك ، وهذا المرتب الموجود في أفق النّفس هو الكلام النفسيّ ، وقد دل عليه الكلام اللفظي ، وإلى ذلك أشار قول الشاعر ، ان الكلام لفي الفؤاد وانما جعل اللسان على الفؤاد دليلا».
ويردّه : أولاً أن هذه الدلالة ليست دلالة لفظية ، وانما هي دلالة عقلية كدلالة وجود المعلول على وجود علته ، ومن هنا لا تختص بخصوص الألفاظ ، بل تعم كافة الأفعال الاختيارية.
وبكلمة أخرى بعد ما ذكرنا ـ في بحث الحروف ان الألفاظ لم توضع للموجودات الخارجية ، ولا للموجودات الذهنية ـ فلا يعقل ان تكون تلك الصورة معنى لها ، لتكون دلالتها عليها دلالة وضعية ، بل هي من ناحية ان صدور الألفاظ عن لافظها حيث كان بالاختيار والإرادة فبطبيعة الحال تدل على تصورها في أفق النّفس دلالة المعلول على علته ، بقانون ان كل فعل صادر عن الإنسان بالاختيار لا بد ان يكون مسبوقاً بالتصور والالتفات ، وإلا فلا يكون اختيارياً ، وعلى هذا فكل فعل اختياري ينقسم إلى نوعين : (الأول) الفعل النفسيّ (الثاني) الفعل الخارجي فلا يختص ذلك بالكلام فحسب ولا أظن أن الأشاعرة يلتزمون بذلك. وثانياً ـ ان تلك