وما شاكل ذلك ، فان المبدأ فيها من أسماء الأعيان ، والذوات ، وهو اللبن ، والتمر ، والقميص ، والنعل ، والبقل ، ولكن باعتبار اتخاذ الشخص هذه الأمور حرفة وشغلا ولازماً له صارت مربوطة به ، ولأجل هذا الارتباط صح إطلاق هذه الهيئات عليه. نعم أنها مشتقات جعلية باعتبار جعلية مبادئها ومصادرها. والسبب في ذلك أن الكلم ليس مصدراً للمتكلم ، لفرض أن معناه الجرح لا الكلام ، وكلم ليس فعلاً ثلاثياً مجرداً له ، ليزاد عليه حرف فيصبح مزيداً فيه. وعليه فبطبيعة الحال يكون التكلم مصدراً جعلياً ، والكلام اسم مصدر كذلك. هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى أن المبدأ الجعلي للمتكلم في هذا الحال لا يخلو من أحد امرين : إما التكلم أو الكلام ، ولا ثالث لهما.
أما على الأول فلا يرد عليه النقض بعدم صدق النائم ، والقائم ، والمتحرك ، وما شابه ذلك عليه تعالى ، مع أنه موجد لمبادئها ، وذلك لأن التكلم من قبيل الأفعال دون الأوصاف. والمبادئ في الهيئات المذكورة من قبيل الأوصاف دون الأفعال ، ولأجل الاختلاف في هذه النقطة تمتاز هيئة المتكلم عن هذه الهيئات ، حيث انها لا تصدق إلا على من تقوم به مبادئها قيام الصفة بالموصوف ، والحال بالمحل ، ومن ثمة لا تصدق عليه تعالى ، وهذا بخلاف هيئة المتكلم ، فانها تصدق على من يقوم به التكلم قيام الفعل بالفاعل ، ولا يعتبر في صدقها الاتصاف والحلول ، ولذلك صح إطلاقها عليه تعالى من دون محذور.
وأما على الثاني : فالامر أيضا كذلك. والوجه فيه أن الكلام عبارة عن الكيف المسموع الحاصل من تموج الهواء ، واصطكاكه ، ومن الطبيعي أن المتكيف بالكلام والمتصف به انما هو الهواء ، دون غيره ، فلا يعقل قيامه بغيره قيام الصفة بالموصوف ، والحال بالمحل ، ولا فرق في ذلك بين